تجبر سلطات الاحتلال المواطنين المقدسيين الذين تصدر بحقهم أوامر هدم منازل، على هدمها من تلقاء أنفسهم، وإن رفضوا فإنها تهدمها بآلياتها العسكرية مع تغريمهم عشرات آلاف الشواكل بهدف تدميرهم اقتصاديا، في ظل سياسة توسيع بناء الوحدات الاستيطانية في القدس المحتلة.
وكشفت معطيات رقمية إسرائيلية نشرتها "عير عميم" المتخصصة في شؤون القدس مؤخرا، عن زيادة حجم الاستيطان اليهودي بمدينة القدس خلال ولايتي رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وتحديدا بين عامي 2009 و2016، حيث بلغت الزيادة في أعداد المستوطنين قرابة 70%، وارتفعت نسبة الأراضي التي بنيت عليها مستوطنات جديدة 60%، خاصة بمناطق الشيخ جراح وبطن الهوى وسلوان.
كما تضاعف خلال الفترة نفسها عدد الوحدات السكنية التي يملكها المستوطنون إلى الضعف، وتم إخلاء 60 عائلة فلسطينية من بيوتها في شرقي القدس، 55 منها خلال العامين الأخيرين فقط.
وكشفت صحيفة عبرية، الأسبوع الماضي، النقاب عن مضاعفة بلدية القدس المحتلة إعطاء رخص البناء للمستوطنين في المدينة، بعد قرابة الشهرين على انتخاب دونالد ترامب رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة، وبالمقابل فقد ضاعفت من هدم المنازل الفلسطينية.
وهاجم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء الماضي وزير الخارجية الأميركي جون كيري واتهمه بالانحياز ضد (إسرائيل) بعد تأكيد كيري أن الاستيطان يقوّض فرص حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
نهج جديد
ويقول الباحث في شؤون الاستيطان في القدس المحتلة محمد أبو صالح: "إن الحكومة الإسرائيلية نهجت نهجا جديدا في ظل انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وكأن باراك أوباما الذي انتهت ولايته الرئاسية الثانية كان يقيدها، رغم أنه كان يصرح للاحتلال الإسرائيلي بناء المستوطنات".
وأضاف أبو صالح لصحيفة "فلسطين": "أن (إسرائيل) تستبق الأحداث بجعل ترامب الحليف الحميم لها، والذي عبر عنها ترامب ببرنامجه الانتخابي وأنه لن يقف أمام مشروع الاستيطان".
وأوضح أن (إسرائيل) تعمل على تكثيف الاستيطان في بلدة سلوان في القدس لخلق واقع تهويدي جديد، وذلك من خلال تسيير قطارات ورحلات، في ظل غياب السلطة الفلسطينية عن القدس، مبينا أنه من ضمن سياسات الاحتلال هدم بيوت المقدسيين القديمة –ما قبل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948م- التي تتعارض مع مشروع التوسع الاستيطاني.
وليس من السهل، وفق أبو صالح، أن يقوم الاحتلال بمنح المواطنين المقدسيين أي نوع من التراخيص، وإن منحهم الرخصة فذلك يحتاج إلى سنوات من الانتظار، ينفق خلالها المقدسيون ملايين الشواكل في المناطق التي يسمح البناء فيها وهذا شيء قليل.
وبفعل هذا التضييق الإسرائيلي في البناء، كما تابع أبو صالح، يضطر المقدسيون نظرا لكثرة أعدادهم إلى البناء، موضحا أن سلطات الاحتلال تراقب المقدسيين وتقوم بتغريمهم عشرات آلاف الشواكل وإصدار إخطارات هدم إن قاموا بالبناء.
وتطلب سلطات الاحتلال –حسب أبو صالح– من المقدسيين في هذه الحالة هدم منازلهم بأيديهم، كما فعلوا مع الباحث د.جمال عمرو قبل أيام الذي كلف بهدم بيته المبني قبل عام 1967م بيده.
وقال: "إن المواطن المقدسي الذي توجه له سلطات الاحتلال إخطار الهدم ويرفض ذلك، تقوم سلطات وبلدية الاحتلال بهدمه بآلياتها ثم يغرمونه غرامات مالية تصل إلى 50 ألف شيكل، بهدف تدميره اقتصاديا".
ميزان متصاعد
وأكمل فيما يتعلق بتصاعد وتيرة الاستيطان، بأن الميزان التصاعدي في الاستيطان بالقدس يهدف لخلق واقع جديد لجعل المدينة بؤرة استيطانية تحيط بها المستوطنات بالضفة الغربية من كل جانب لتكون حدود القدس من منطقة غوتش عتصيون جنوبا، والمستوطنات المحاذية لمدينة رام الله شمالا، ومستوطنة معاليه أدوميم من الجهة الشرقية، إضافة إلى غربي القدس الذي يسكنها اليهود، وذلك لاستيعاب الملايين من اليهود.
من جانبه، يرى الباحث في شؤون القدس مصطفى أبو صوي أن (إسرائيل) لم تتوقف عن الاستيطان مطلقا، وتتبع عقلية الإحلال مكان السكان الأصليين.
وقال أبو صوي لصحيفة "فلسطين": "إن سلطات الاحتلال أعادت هيكلة شرقي القدس، وأن الشوارع الرئيسة بالمدينة المقدسة تخدم المستوطنات بالمقام الأول"، موضحا أن الأحياء العربية شبه معزولة وتخدمها شوارع فرعية.
وبين أنه مع تواجد مستوطنات إسرائيلية في الأحياء العربية فإن المقدسيين يعانون بسبب التواجد الأمني المكثف، مشيرا إلى أن نسبة من المقدسيين اضطروا بسبب قلة منح رخص البناء للذهاب خارج جدار القدس تحديدا شمال حاجز قلنديا وترك المدينة، ضمن السياسية الإسرائيلية التي تهدف إلى تفريغ القدس من سكانها الأصليين.