فلسطين أون لاين

​قبل الرحيل.. رتّب الشهيد "فرينة" لقاء الوداع وأرسل السلام

...
غزة - مريم الشوبكي

"أمانة ديروا بالكم على ولادي".. تلك هي وصيته الأخيرة، قالها لأصدقائه في السيارة وهم متجهون نحو الحدود الشرقية لقطاع غزة، للمشاركة في مسيرة العودة الكبرى، وصلوا وجهتهم، ففتح باب السيارة لينزل منها، ويبدو أن أبواب الجنان أيضًا فُتحت له في ذات اللحظة، بفعل رصاصة قناص إسرائيلي استقرت في جسده فور خروجه من السيارة.

"جهاد فرينة" له من اسمه نصيب، فقد جاهد الاحتلال على مدار سنوات، وخرج بسلام من الحروب الثلاث التي شنّها الاحتلال على القطاع، وفي يوم الأرض، رواها بدمه، فارتقت روحه إلى بارئها، وهو يُمنّي النفس بالرجوع إلى بلدته "حمامة".

الشهيد فرينة (33 عامًا)، قائدٌ في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وهو أبٌ لثلاثة أطفال، ورابعهم ما يزال جنينًا سيخرج إلى النور يتيمًا من أبيه الذي استشهد يوم الجمعة الماضي في أثناء مشاركته في مسيرة العودة الكبرى.

عذب الصوت

"أم وائل" والدة الشهيد جهاد، تحدّثت لـ"فلسطين" عن آخر يوم في حياة فلذة كبدها، فتقول: "جهاد يسكن في خانيونس، وفي يوم الأربعاء على غير العادة أتى مع أطفاله وزوجته ليبيت ليلته في بيتنا، وفي يوم الخميس ذهب ليتناول طعام الغداء مع أهل زوجته، وسهر ليله عندهم، ولكنه هاتف أباه مساءً وطلب منه ألا ينام حتى يعود، لأنه يريد التسامر معه".

وتضيف: "وفي يوم الجمعة خرج مع أصدقائه ليشارك في المسيرة، ولم أتخيل أن يستشهد، لأنه طمأنني حين أخبرني أنها مسيرة سلمية ليس فيها سلاح".

تستذكر الأم المكلومة بعضًا من مناقب ابنها ومحاسنه: "كان جهاد عذب الصوت، ستشتاق مئذنة المسجد لصوته، وسيفتقد سكان الحي الأذان بصوته، وتلاوته الخاشعة للقرآن الكريم في ليالي رمضان".

وتوضح: "حفظ القرآن في طفولته، ومن ثم أصبح يؤذن ويؤم المصلين في المسجد، وعلم أبناءه حفظ القرآن، وعلم ابنه الصغير ذا الست سنوات كيف يقيم الصلاة".

الليلة الأخيرة

تحدّثنا مع شقيقته "إيمان"، التي هاتفها طالبًا منها الحضور إلى بيت عائلته هي وجميع إخوانه وأخواته، وكأنما كان يرتّب للقاء وداع.

تقول إيمان: "جهاد كان أكثر من أخ، كان حنونًا، وكريمًا، دائمًا يزورنا في بيوتنا ويطمئن علينا، لا أنسى الليلة الأخيرة التي رأيته فيها، إذ استذكر كل ذكريات الطفولة التي جمعتنا معًا، وهذه أول مرة يفعل فيها ذلك".

وتضيف: "بعد استشهاده، تيقّنت أن ما فعله كان وداعًا لي، ولكن بطريقة حفرت في قلبي مزيدًا من الحزن والأسى، ذكرياته كانت الأجمل، لم يغضبني يومًا".

وقبل استشهاده، أوصى إخوته جميعًا أن يشاركوا في مسيرة العودة الكبرى، لكي يعبروا عن اشتياقهم للعودة إلى "حمامة" ويساهموا في تحريرها من أيدي المحتل.

ذكرى مني

مواقف "جهاد" مع كبار العائلة وصغارها لا تُنسى، تتذكر "براءة" ابنة أخيه بعض المواقف التي جمعتها به، قائلة: "قبل لحظات من استشهاده اتصل بأختي وأوصاها بأن تبلغ سلامه للجميع، وما هي إلا لحظات حتى جاءنا خبر استشهاده".

وتضيف براءة (18 عاما): "استغربنا من رغبته في عدم ذهاب أطفاله، الخميس الماضي، إلى مدرستهم، التي بجوار بيته في خانيونس، وذلك لأنه فضّل المبيت في بيت جدي وقضاء يوم الخميس برفقتنا".

يبدو أن "جهاد" كان يرغب بشدة في جمع أفراد عائلته من كبيرهم لصغيرهم إضافة إلى أطفاله، وكأنه أراد أن "يملأ عينيه" منهم، ويودعهم قبل أن يفارقهم حيث الحياة الأبدية في جنان الخلد.

لا تزال "براءة" تتذكر "اللفحة" و"الطاقية" اللتان أهداها إياهما عمها الشهيد في طفولتها، وكان التقى بها يسألها عنهما، فتخبره أنها أهدتهما لطفل آخر فلم تعودا تناسباها، فكان يرد: "كان لازم تخليهم ذكرى عندك لتتذكريني دائما".

وتذكر براءة أن عمها "جهاد" كثيرا ما كان يسألها عن حلمها الذي تريد أن تصبح عليه حينما تكبر، فتخبره أن لديها رغبة شديدة في دراسة علم النفس، فكان دائما ما يشجعها على الدراسة والاجتهاد أكثر لكي تصبح معيدة في الجامعة في التخصص الذي تحب.