فلسطين أون لاين

​"ليتنا معكم".. لسانُ حال المغتربين

...
غزة - صفاء عاشور

توافد مئات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة للمشاركة في مسيرة العودة الكبرى, التي كانت على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة مع المناطق المحتلة منذ 1948، ألهب مشاعر الفلسطينيين المغتربين، فتمنوا لو أنهم كانوا في القطاع للمشاركة في المسيرة.

المسافر بغرض الدراسة أو العمل أو اللاجئ الذي لم تطأ قدمه أرض فلسطين من قبل، هؤلاء وغيرهم ممن هم خارج فلسطين في هذه الأيام لأي سبب، تابعوا أحداث مسيرة العودة باهتمام كبير، ومنهم من تمنى أن يكون أحد المشاركين في هذه الهبّة الجماهيرية الأولى من نوعها.. في هذا التقرير نسأل عددا من فلسطينيي الخارج عن متابعتهم لأحداث مسيرة العودة وما أثارته فيهم من مشاعر..

لحظة العودة

اللاجئ محمد أبو ليلى, فلسطيني يعيش في مخيم عين الحلوة بلبنان، عندما شاهد عبر شاشات التلفاز بين أنه عند مشاهدته الحشود المُشارِكة في مسيرة العودة الكبرى في قطاع غزة، انتابه شعور بالنصر والعزة، وازداد أمله بتحقيق حلم التحرير والعودة.

وقال لـ"فلسطين": "تخيلت لحظات التحرير والجموع الغفيرة تدخل إلى المناطق المحتلة من كل حدب وصوب، ورايات فلسطين ترفرف عالياً، وتخيلت لحظة عودتي إلى بلدتي الأصلية في المنشية قضاء عكا، حينها كان شعوري لا يوصف".

وأضاف: "قلت لنفسي إن أهل غزة رغم كل معاناتهم، لا يزالون يزرعون فينا الأمل، ولكن في الوقت ذاته انتابني شعور بالحسرة لأنني لست مع أهلنا في القطاع"، متابعا: "نبذل أرواحنا وكل إمكاناتنا لأجل فلسطين، التي تحتاج منا بذل الدماء، الآن أكثر من أي وقت مضى، حتى نستعيدها من الصهاينة الغاضبين".

وواصل: "تعمّد الاحتلال أن يقتل عددا من المتظاهرين السلميين في أول أيام مسيرة العودة، ليخيف الفلسطينيين بدرجة تدفعهم للتراجع عن المشاركة في المسيرة في الأيام القادمة"، مستدركا: "ولكن يبدو أن الاحتلال لا يعرف الشعب الفلسطيني الذي يمضي في سبيل تحرير أرضه ومقدساته دون أن يخشى شيئا، إنه شعب التضحيات والصمود، الذي يستمد قوته من عقيدته ودينه ومبادئه، ولا يتنازل".

أبو ليلى أعرب عن أمنيته بأن يكون في القطاع في هذه الأيام ليشارك أهل غزة في تحركاتهم.

عرسٌ فلسطيني

دينا آغا، لاجئة فلسطينية تقيم في لبنان، وتنحدر أصولها من قرية أم الفرج قضاء عكا، قالت: "ليس غريبا على أهل القطاع أن ينتفضوا بهذا الشكل، فهم معروفون بشجاعتهم وقوتهم ووطنيتهم المتأججة واستعدادهم الدائم لمواجهة الاحتلال".

وأضافت لـ"فلسطين": "مشهد الجماهير المحتشدة على حدود القطاع مع المناطق المحتلة، هو مشهد مُفرحٌ للغاية، فالتجمهر بهذا الشكل يكسر حاجز الرهبة من الحدود، والأهم من ذلك أنه يؤكد على أن الفلسطيني لا يزال متمسكًا بأرضه وحريته وكرامته، وأنه مستعد للتضحية بالروح في سبيل الوطن".

وعما دار في نفسها عندما شاهدت صور الحشود، أوضحت: "كنت أتمنى أن أشارك في هذه المسيرة، فنحن في الشتات دائماً نشعر بالتقصير تجاه أرضنا وشعبنا في الداخل، وليس بوسعي أن أقول سوى (يا ريتني بينكم ومعكم)".

وبينت: "مسيرة العودة الكبرى لاقت متابعة واسعة من جميع الفلسطينيين في مختلف بقاع الأرض، فهي حدث مهم جدًا في تاريخ قضيتنا وطريق عودتنا بإذن الله، كنت وعائلتي نتابع الأحداث طوال اليوم عبر شاشة التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي".

مشاعر آغا اختلطت أثناء متابعتها لأخبار مسيرة العودة، كما أوضحت، فهي كانت سعيدة بعدد الجماهير المحتشدة، فيما الحزن كان كبيرا بسبب ارتقاء الشهداء وارتفاع عدد الجرحى.

"عرس فلسطيني بامتياز".. هكذا وصفت مسيرة العودة رغم الحزن على الشهداء والجرحى.

روحي في غزة

"أنا في ماليزيا بجسدي، لكن روحي كانت معلقة بغزة وأحداثها".. بهذه الكلمات عبّر "رزق الغرابلي" عمّا شعر به وهو يتابع أخبار مسيرة العودة في يومها الأول.

وقال الغرابلي الذي يدرس الدكتوراة في الفقه الإسلامي بماليزيا: "تابعت الأحداث على مدار اليوم، وكانت المتابعة لحظية، وكأن روحي تهتف، وجسدي يحن للمشاركة، وكنت أقول لنفسي (ليتني هناك لأفوز فوزاً عظيما)".

وأضاف لـ"فلسطين": "في كل مرة، يفاجئ الشعب الفلسطيني العالمَ بعنفوانه وبسالته، وبالقوة والإرادة اللتين أصبحتا من أبرز سمات الفلسطيني، بكباره وصغاره، فكلهم يحملون النفس الثوري الذي ورثوه عن الأجداد".

وتابع: "اليوم الأول لخروج الناس كان مهيباً وتاريخياً، وسيسجل التاريخ أن غزة خرجت عن بكرة أبيها".

وواصل: "المشهد كان ثورياً حقيقياً، فقد رأينا الأطفال، والشيوخ، والنساء والشباب يتسابقون للمشاركة في الحدث التاريخي، الذي أراد من خلاله شعبنا التأكيد على تمسكه بحقه التاريخي في أرض فلسطين ومواجهة جميع محاولات التصفية التي تديرها الولايات المتحدة الأمريكية".

ورأى الغرابلي أن الطريقة التي تعامل بها الاحتلال مع المسيرة تؤكد خوفه من أي تحرك يقوم به الشعب الفلسطيني.

إجابةٌ عملية

الشاب أحمد النبيه، والذي يدرس في تركيا، حاول أن يشارك الفلسطينيين في غزة حراكهم السلمي، فلم يجد وسيلة سوى البث الحي عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، فقد استخدم خاصية البث المباشر لدعم وتأييد أهالي القطاع في مسيرة العودة الكبرى، وللتأكيد على أن العودة باتت قاب قوسين أو أدنى وأن العودة أمر محقق.

وقال لـ"فلسطين": "المشاركة الكبيرة في مسيرة العودة تؤكد أن الفلسطينيين قادرون على انتزاع الحق، وما شاهدناه عبر شاشات التلفزة يرفع الرأس".

وأضاف: "الآن، بعد سبعين سنة على النكبة وتهجير الفلسطينيين، تأتي مسيرات العودة للإجابة على كل من يتساءل (هل سيعود الفلسطينيون إلى أرضهم؟)، وقد أجاب الفلسطينيون في القطاع على السؤال بشكل عملي، وأثبتوا للجميع أنهم عائدون بوحدتهم".

وواصل: "قطاع غزة صبر على الحصار لما يزيد عن عشر سنوات، وهو لا يزال قادرًا على تحويل البوصلة من جديد، ودق الناقوس لينتبه الجميع للقضية الفلسطينية".