يرى محللان سياسيان أن مسيرة غزة التي شارك فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين قرب السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 48 أول من أمس، شكلت نقطة تحول استراتيجية في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي باستخدام المقاومة الشعبية على شكل كتل بشرية كبيرة، تضمنت مجموعة من الرسائل السياسية لعدة أطراف.
وأوضح المحللان في حديثهما لصحفية "فلسطين"، أن أول الرسائل التي حملتها المسيرات موجهة للاحتلال بأن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقوقه، ورسالة أخرى أن القطاع لم يعد يحتمل استمرار الحصار، وللمجتمع الدولي الذي لم ينجح بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، ولإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفض "صفقة القرن".
الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات يرى أن المسيرة الشعبية الكبرى أرسلت مجموعة من الرسائل للاحتلال بأنه مهما أوغل في البطش واطلاق الرصاص، فإنه لن يستطيع اخافة الشعب الفلسطيني وأن يمنعه عن خيار المقاومة وحقه بالعودة إلى وطنه، فهي رسالة واضحة أن الشعب سيبقى وفيا لمبادئه أمام التهديدات الإسرائيلية.
وقال عبيدات لصحيفة "فلسطين": "إن الرسالة الثانية للمجتمع الدولي المتواطئ مع دولة الاحتلال منذ 70 عاما ولم ينجح في تطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحق العودة وخاصة قرار الأمم المتحدة (194) الذي ينص على حق عودة اللاجئين لديارهم وأن هذا الحق لا يسقط بالتقادم، وأنه لن يكون هناك استقرار بالمنطقة بدون عودة الشعب الفلسطيني إلى دياره".
والرسالة الثالثة، لأمريكا أن أي مبادرة سياسية لتصفية القضية لن تمر إلا على جثث أبناء الشعب الفلسطيني، والرسالة الرابعة فلسطينية داخلية من أجل رفع معنويات الفلسطينيين وتجذير خيار المقاومة لديهم بالانتماء للأرض والدفاع عنها، بحسب عبيدات.
ويعتقد عبيدات أن مسيرة غزة ستشكل نقطة تحول في إحياء مسيرة العودة الكبرى، وأن هذا المد الشعبي والجماهيري الذي خرج –وكانت غزة نقطة البداية- يجب أن يبنى عليه باتجاه أن يكون هناك حشود جماهيرية واسعة، في كافة مناطق اللجوء الفلسطينية، مما يشكل عامل ضغط قوي على المجتمع الدولي والاحتلال.
كما يرى أن المسيرة تربك المنظومة السياسية والأمنية للاحتلال في التعامل معها، خاصة أن هذا الأسلوب أثبت نجاعته في مظاهرات باب الأسباط بالقدس المحتلة في 14 أيلول/ يوليو الماضي.
وشكلت مسيرة غزة التي شارك فيها مئات الآلاف – بحسب عبيدات – نقطة تحول استراتيجية بالمواجهة بين الاحتلال والشعب الفلسطيني، يجب أن يبنى عليها من أجل أن يكون هناك عملية تنظيم واسعة على شكل كتل بشرية تفضح حكومة الاحتلال وتضعه في مأزق أمام الرأي العالم الدولي، بإطلاق جنودها النار على جماهير عزل.
إنذار للمحاصِرين
ويتفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة د. مخيمر أبو سعدة مع عبيدات في رسالة المسيرة للمجتمع الدولي بأن يتحمل مسؤولياته تجاه الفلسطينيين، وفي رسالته لأمريكا برفض "صفقة القرن".
ويشير أبو سعدة إلى أن رسالة المسيرة الموجهة للاحتلال، تضمنت أن الحصار المفروض على غزة والأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها السكان يجب رفعها ولم تعد تحتمل، وأن المظاهرات مستمرة حتى رفع الحصار وتحسين ظروف الناس.
ويضيف لصحيفة "فلسطين": "أن هذه الجماهير بعثت رسالة للسلطة والحكومة (برئاسة رامي الحمد الله) بأن تكون عند مسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني، وأن لا تتخذ من الانقسام مبررا للتنصل من التزاماتها، وأن هذا الانقسام لا يبرر لرئيس السلطة محمود عباس استمرار العقوبات".
بشأن كيف تلقت الأطراف التي وجهت إليهم رسائل غزة هذه الرسائل، يشير إلى أن الاحتلال –الذي يحاصر غزة- يعتبر أنه لا يتحمل مسؤولية ما يحدث بغزة، والمجتمع الدولي منقسم فهناك جزء متعاطف مع غزة وهذا ما ظهر أول من أمس في حالة التنديد الدولي لقيام الاحتلال باستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين العزل، وجزء يتعلق بدعم أمريكا للاحتلال في الجرائم التي يرتكبها.
كما يرى أن المسيرات شكلت نقطة تحول باعتبار أنه لم يحدث في تاريخ الشعب الفلسطيني أن خرجت أعداد كبيرة من الحشود تجاه "الحدود الفاصلة" مع الاحتلال بهذا الشكل الذي خرج من غزة، وهي نقلة نوعية في حجم المشاركين ونوعية التظاهرة، بالاعتماد على المقاومة الشعبية كنهج لمواجهة الاحتلال.
ويقول أبو سعدة: "يجب على القيادات الفلسطينية أن تنهي خلافاتها أمام هذا الشموخ والمجد الفلسطيني الذي صنعه عشرات الآلاف من المتظاهرين، وأن تستغل هذه اللحظة بتحقيق الوحدة لمواجهة صفقة القرن".