من كل حدب وصوب، ومنذ ساعات الصباح الأولى، أمَّ عشرات آلاف المواطنين اعتصام مسيرة العودة في بلدة خزاعة شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، لتتحول إلى لوحة فلكلورية شعبية وحدوية جامعة.
أطفال، نساء، ورجال وشيوخ، لم يقف في وجههم أي ظرف للمشاركة في مسيرة العودة، تشبثوا بالأرض وتحت أشعة الشمس الحارقة، دقوا بأيديهم أوتاد "خيام العودة" على جانبي أرض الاعتصام، غير أن ما جمعها جميعاً قبلة بوابتها الشرقية المتجهة نحو الحدود الشرقية حيث فلسطين المحتلة عام 1948.
خيام العودة القريبة من الحدود الشرقية، كل واحدة منها لعائلة، أو عشيرة، أو أهل بلدات هُجر أهلها قسرًا على يد عصابات الاحتلال الصهيونية، فُزينت الخيام بأسماء قرى المجدل، وقضاء يافا، وحيفا، وغزة، والنقب المحتل، وغيرها.
نسوة ورسالة منهن لمن وصل للمكان ونظر إليهن على أن الحياة في خيام مسيرة العودة هي طبيعية لا أكثر، بإرفاق أطفالهن معهن، ومعدات طهو الطعام، وخبز الفطائر "الشراك" أو "الصاج".
أهازيج شعبية، وزغاريد نسوة تخرج صوتها من الخيام المنصوبة في مسيرة العودة، وكأن كلمتهن أن الفرحة الكُبرى قاب قوسين أو أدنى من موعد العودة للأرض المحتلة، ونزع المستوطنين اليهود الغاصبين منها.
وشباب هم الآخرون وعلى جانبي مكان الاعتصام بخزاعة، نصبوا ملاعب كرة القدم، قابل كل فريق آخر بأسماء العائلة، أو أسماء قرية أو بلدة مهجرة، فيما حف الملعب بالجماهير الحاشدة التي رفعت الأعلام الفلسطينية.
أغانٍ شعبية ووطنية شهيرة وعلى صوت ألحانها، صب كبار السن القهوة للمعتصمين، وسارت الخيل من على ظهرها الشباب، ووقف الفتية على تلال الرمال الصغيرة ينظرون إلى حدود القطاع الشرقية والتي وقف إلى جانبها جنود الاحتلال وجيباته العسكرية مدججين بأسلحتهم متمترسين خلف "جبنهم"!.
وصلاة جمعة أبى المشاركون في مسيرة العودة إلا أن تكون على تراب أرض خزاعة وعلى قرب أمتار من السلك الحدودي "الزائل"، وقف الخطيب فيها مؤكدًا أن حق العودة الذي طالما تغافل العالم عن تنفيذه، اليوم بدأت تباشير تحقيقه واقعًا حقيقيا ملموسًا، وأنه سيتم بأيدي أبناء الشعب الفلسطيني اللاجئ، والذي راهن مؤسسو الاحتلال الأوائل أنه سيكون في وقتنا من الأجيال الناسية لحقهم وأرضهم بعد موت آبائهم الأوائل المهاجرين.
أعلام فلسطينية واحدة في مكان الاعتصام، لم يخترقها راية أي فصيل، رغم مشاركة جميع الفصائل قيادة وعناصر ومؤيدين فيها، لترسم في النهاية مشهداً وحدوياً وطنياً طالما أراده الفلسطينيون ورغبوه.
ويرفض المشاركون في مسيرة العودة مغادرة المكان، حتى رجوعهم إلى ديارهم وقراهم وأرضهم، منتظرين حلول ذكرى يوم النكبة في 15 مايو/ أيار القادم، مؤكدين على سلمية تجمعهم، وأن العالم كله الآن محط اختبار حقيقي، في مؤازرة هذا التجمع الذي يؤمّه الآلاف منهم لإعادة حقهم المسلوب.

