فلسطين أون لاين

​عبد الرحمن.. لم يصمت على ما فعله الحصار بحلمه

...
غزة - هدى الدلو

أن تعيش في هذه المدينة التي يخيم عليها الحصار منذ أكثر من عشرة أعوام، فهذا يعني، على الأرجح، أن الصورة التي رسمتها لنفسك في المستقبل لن تتحقق كما أردت تماما، ومع ذلك فأنت قادر على التحايل على الواقع بدرجة تسمح لك بالخروج بنتائج أفضل، فنماذج كثيرة أثبتت ذلك، كالشاب "عبد الرحمن عوض".. لنتعرف على قصته.

رسم عوض (24 عامًا) لنفسه مستقبلًا ورديًا وهو يرتدي مريول الأطباء الأبيض، ولكن أحلامه تحطمت عند بوابة معبر رفح الموصدة، فقرر أن يتحدى الظروف ويبدع في مجال آخر، فحصل على شهادة البكالوريوس في هندسة الميكاترونيكس من جامعة الأزهر بغزة، ولحبّه لهذا المجال قرر أن ينقل العلم للأطفال، فأسس "نادي مهندس المستقبل".

يسرد حكايته لـ"فلسطين": "كنت أطمح لدراسة طب الأسنان في جمهورية مصر العربية بعدما تخرجت من الثانوية العامة، فقد كنت أرى في نفسي ميولًا تجاه مهنة الطب، ولكن معبر رفح نسف كل أحلامي بسبب الإغلاق المفروض على القطاع، فتحطمت نفسيًا، وتحوّلت إلى ما يشبه كتلة إحباط متنقلة، وأصبحت أشعر بالعجز لكوني لم أستطع البدء بالسير نحو حلمي".

كان لزامًا عليه أن يتجاوز هذه المرحلة، ويختار تخصصًا آخرًا بدلًا من أن تسرقه أيام الانتظار، فوقع اختياره على كلية الهندسة وتكنولوجيا المعلومات، وقد فعل ذلك بطريقة عشوائية دراسة للقرار، ولكنه كان قدر الله.

وقال عوض: "بعد أن أنهيت الفصل الدراسي الأول في كلية الهندسة، وجدت جميع حواسي تبحث عن هذا التخصص وبالتحديد هندسة الميكاترونيكس، فطوّرت نفسي من خلال التعلّم الذاتي عبر مواقع الإنترنت والاطلاع على العديد من المحاضرات العلمية".

آمن بقدراته، وفي عامه الجامعي الثاني صمم جهازًا لمساعدة المقعدين من ذوي الاحتياجات الخاصة على صعود الدرج، نظرًا للمعاناة التي يتكبدوها عند صعودهم للطوابق العلوية خاصة في حال تعطل المصعد الكهربائي.

ولم يكتفِ بذلك، بل صمم حقيبة تعليمية توفّر بيئة تفاعلية لتعليم الأطفال تركيب الدوائر الإلكترونية و"الروبوتات" بطريقة عملية تدمج بين اللعب والتعلم.

وأكّد: "تعليم الأطفال بالنسبة لي من أهم الأولويات، لأن الأطفال هم نواة المجتمع، أي أننا نستطيع صناعة المجتمع من جديد عن طريق البدء بالأطفال وليس البدء بالشباب، كما أن الطريق أمامهم طويل ويمكن زراعة البذرة فيهم".

لم يرغب بوظيفة محددة، وساعات دوام ثابتة، أو راتب شهري، فكل ما يريده بيئة تشجعه على الابتكار والانجاز، رغم أن ما يفعله في نظر عائلته "مخاطرة".

أسس عوض ناديًا لتدريب الأطفال على تركيب الدوائر الإلكترونية والروبوتات بطريقة عملية تساعدهم على فهم آلية عمل الدوائر الإلكترونية وتطبيقها في حياتهم اليومية، وتمكن من تدريب أكثر من سبعة آلاف طفل تتراوح أعمارهم بين ستة إلى 15 عامًا في المدارس، خلال ثلاث سنوات، ضمن مخيمات "نادي مهندس المستقبل".

وأوضح أنه عمل على تطوير النادي من خلال إنتاج منتجات تعليمية تهدف الى تبسيط التكنولوجيا مثل منتج (Future Engineer Kit).

وبين أن أكبر المشاكل والتحديات التي واجهته، صعوبة الموازنة بين الحياة الجامعية والحياة العملية, فقد بدأ مشواره بينما كان لا يزال طالبا في السنة الثانية في كلية الهندسة.

"تحدي المال" هو ثاني الصعوبات التي واجهت عوض، حيث كان رأس مال المشروع هو جهده فقط, فلم يحصل على أي تمويل من المؤسسات في بداية الطريق, وأول فرصة حصل عليها كانت بعد تخرجه من الجامعة.

ويطمح عوض أن يتم تطوير التعليم، والبعد عن التعليم النظري العقيم, وخلق بيئة مناسبة للأطفال في فلسطين, وإنتاج الوسائل التعليمية التي من شأنها أن تنظم حياة الطفل ليتعلم كل ما هو متعلق بالتكنولوجيا الحديثة.

وأشار إلى أن مشروعه حصل على فرصة للمشاركة في الحدث العالمي"Startup Istanbul 2017"، وكان ضمن أفضل 100 مشروع حول العالم, ولكن لم يحالفه الحظ بالسفر إلى تركيا بسبب إغلاق المعابر، بالإضافة لحصوله على فرصة استثمار من إحدى شركات القطاع الخاص في قطاع غزة لتطوير الحقيبة التعليمية.