أجمع محللون سياسيون، على أن تراجع شعبية رئيس السلطة محمود عباس، يعكس فقد الشعب الفلسطيني الأمل بالبرنامج السياسي الذي يطرحه والقائم على المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، والذي لم يحقق أي نتائج طوال 21 عامًا.
فيما قال المحللون في أحاديث منفصلة مع صحفية "فلسطين"، إن تمسك حركة المقاومة الإسلامية حماس ببرنامج المقاومة، وذهابها لخيار المصالحة الوطنية، عزز من شعبية رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية.
ووفقًا لاستطلاع رأي، أجراه "المركز الفلسطيني للدراسات السياسية والمسحية"، -مقره رام الله وسط الضفة الغربية-، فإن ما نسبته 68% من الفلسطينيين يريدون من عباس الاستقالة، فيما بلغت نسبة عدم الرضا عن أدائه 63%.
وأظهر الاستطلاع الذي أجري في الضفة الغربية وقطاع غزة في الفترة بين 14 و17 مارس الجاري، أنه "لو جرت انتخابات رئاسية جديدة اليوم وترشح فيها اثنان فقط هما عباس وهنية، فإن الأخير سيحصل على 52% من الأصوات فيما سيحصل عباس على 41%".
أداء عباس
ويرى مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية خليل الشقاقي، أن نتائج الاستطلاع جديدة، وتُعبر عن الرأي العام الفلسطيني.
ويقول الشقاقي لصحيفة "فلسطين"، إن الرأي العام الفلسطيني بشكل عام غير راضٍ عن أداء عباس، لعدة أسباب مختلفة وأهمها المصالحة واعتقاد الشارع الفلسطيني أن مفاوضات التسوية لن تجدي نفعًا.
ويضيف أن نتائج الاستطلاع ترجع لأسباب لها علاقة بالأوضاع الداخلية الفلسطينية، مثل تراجع الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، والمساءلة.
وبحسب قوله، فإن عدم نجاح ما تسمى بعملية (السلام) والرهان على المفاوضات مع (إسرائيل) يترك أثرًا سلبيًا على المواطنين، كونه لم يحقق أي إنجاز سياسي على مدار عقود طويلة، مما يؤدي إلى تراجع شعبية عباس.
ويوضح أن مواقف عباس السياسية تختلف تمامًا عن مواقف ورغبات الجمهور الفلسطيني، مما أدى ذلك إلى حدوث فجوة بين عباس والجمهور، لذلك اندفع المواطنين نحو المطالبة باستقالته.
ويبيّن الشقاقي، أن الجمهور الفلسطيني بات على قناعة بحاجته لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في ظل تعثر الأوضاع السياسية القائمة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
من جهته، رأى الباحث السياسي في مركز رؤية للدراسات والأبحاث عزيز كايد، أن الشارع الفلسطيني بات يفقد الأمل بالبرنامج الذي تطرحه قيادة السلطة الفلسطينية، القائم على المفاوضات مع الاحتلال.
ويقول كايد لصحيفة "فلسطين"، إن البرنامج السياسي والذي يقوده عباس، وسياساته في الضفة، وفرض المزيد من الاجراءات على قطاع غزة، أدت إلى ارتفاع نسبة المواطنين المعارضين له ولقيادته بشكل عام.
ويعزو ارتفاع نسبة المطالبة باستقالة عباس، إلى عدم تحقيق الأخير أي تقدم على الصعيد الوطني، أو أي انجازات سواء في عملية المفاوضات أو التوصل لأي حل سياسي يعيد للقضية الفلسطينية مكانتها.
ويشير إلى أن الاجراءات الإسرائيلية لا تزال قائمة في الضفة الغربية، من بينها زيادة رقعة الاستيطان، والاقتحامات والسيادة على الأرض الفلسطينية.
ولفت الباحث في مركز رؤية، إلى أن الشارع الفلسطيني فقد الأمل تمامًا بالمفاوضات، التي تشهد حالة من التراجع أيضًا خاصة في الآونة الأخيرة، حيث لم تعد مقبولة مطلقًا في الساحة الفلسطينية.
غضب وسخط
من جانبه، يقول المحلل السياسي د. حسام الدجني، إن النتائج التي خرج بها الاستطلاع تعكس المزاج العام للشارع الفلسطيني حول سياسات عباس، تجاه الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة.
ويوضح الدجني لصحيفة "فلسطين"، أن هناك حالة من الغضب والسخط في الأوساط الفلسطينية، في ظل استمرار سياسة الهيمنة والتفرد والاستبداد.
ويشير إلى أنه على مستوى مشروع التسوية، فإن هناك انسدادًا في الأفق السياسي، وأكثر من 20 عامًا في المفاوضات لم تحقق أي فائدة أو جدوى للشعب الفلسطيني.
ويضيف أن "هناك إجراءات فرضت على قطاع غزة، الأمر الذي يضر بصورة عباس أمام الرأي العام، كونه لم يعمل على إنقاذ الواقع الكارثي في القطاع، بل ساهم في تعزيزه".
ويوضح أن كل هذه الإجراءات والسياسات هي مؤشرات بأن شعبية "أبو مازن" تتآكل يومًا بعد يوم، لأنه لم يعتمد على الشرعية الشعبية، وإنما اعتمد على الشرعية الدولية والاقليمية، والتي بدأت تتخلى عنه تدريجيًا.
هنية وعباس
وبشأن ارتفاع شعبية هنية وتراجع عباس، قال الدجني، إن رئيس المكتب السياسي لحماس حافظ طوال الفترة الماضية على لغة عقلانية وأقرب للمنطق وأسلوب أكثر حضاري، ساهم في كسب احترام الشارع الفلسطيني ومنحه الثقة أن يكون رجل دولة".
ويستدرك: "في المقابل فإن لغة التهديد والوعيد التي اتخذها عباس في الآونة الأخيرة، لم تعد تلقى احترامًا وقبولًا في الشارع الفلسطيني"، لافتًا إلى أن خطابه الأخير لم ينجح في إقناع الشارع في صوابية طرحه السياسي وإجراءاته العقابية ضد قطاع غزة.
ولفت إلى أن الفلسطينيين في الضفة تأثروا بالإجراءات العقابية التي أدت لتدهور الأوضاع في قطاع غزة، "لأننا شعب واحد ولن تكون الضفة بعيدة عن العقوبات إلا من بعض الأطراف المستفيدة من ذلك".
وبالعودة إلى الشقاقي، فأكد أن أداء عباس السياسي لا يحظى بقبول الشارع الفلسطيني، خاصة في الآونة الأخيرة، وتحديدًا في ملف المصالحة الفلسطينية.
وبيّن أن الجمهور لو أُتيح له الخيار بين الشخصيتين سيختار هنية، لأنه يفضل سياسته وسياسة حماس على عباس، نظرًا للبرنامج السياسي الذي تتخذه الأولى في التعامل مع مجمل القضايا الفلسطينية.
وهو ما ذهب إليه الباحث في مركز رؤية كايد، مؤكدًا أن البرنامج السياسي لهنية هو الذي ساهم بارتفاع شعبيته على حساب عباس.
وأوضح أن عباس لديه برنامج لن ينجح بل في تراجع مستمر، في ظل ضرب (إسرائيل) بعرض الحائط له وعدم اكتراثه للبرنامج.
واستدرك: "لكن هنية لا يزال يحظى بنسبة تأييد وقبول، كون برنامج حماس يؤكد على المقاومة، وهو ما يراه الشارع الفلسطيني الطريق لاستعادة القضية الفلسطينية".
وأشار إلى أن ما يجري على أرض الواقع من فروقات بين سياسات عباس وهنية، أدى إلى هذه النتائج، معتبرًا إياها تؤشر للرأي الحقيقي الذي يؤيده الشارع الفلسطيني.