حاجات إنسانية عديدة لأجلها يتزاحم المواطنون في صالة أبو يوسف النجار بمدينة خان يونس، من أجل الحصول على فرصة سفر عبر معبر رفح البري الذي يربط قطاع غزة مع الأراضي المصرية.
مواطن يريد إكمال تعليمه العالي، وآخر يريد التخلص من آلامه وتلقي العلاج المناسب، وتلك عروس تنتظر زفافها، وهذه زوجة عالقة يهدد الإغلاق الطويل للمعبر بطلاقها، وغيرهم حملة إقامات في الخارج مهددة إقاماتهم بالانتهاء.
جميعهم نماذج لحالات إنسانية يقدر عددها بالآلاف، يفاقم إغلاق معبر رفح معاناتهم، وينكأ فتحه الاستثنائي جراحهم، سيما أن أعداد قليلة جدًا يسمح لها بالسفر، فيما يبقى الآخرون على قوائم الانتظار.
وأغلقت السلطات المصرية، أمس، معبر رفح بعد فتحه استثنائيًّا في الاتجاهين لمدة يومين.
وتغلق السلطات المصرية معبر رفح البري بشكل دائم منذ عام 2013، سوى فتحه استثنائيًّا على فترات متباعدة لمدد لا تزيد على أربعة أيام في كل مرة، يتمكن خلالها أعداد قليلة من المواطنين بالسفر.
وتمكن نحو 690 مواطنًا من السفر في اليوم الأول الجمعة، عبر معبر رفح، فيما منعت السلطات المصرية 86 من السفر دون ذكر الأسباب، وسجل عودة 27 مواطنًا عالقًا إلى غزة.
وشهد اليوم الثاني السبت، بطئًا شديدًا في حركة السفر وتوقف المغادرة لوقت طويل، أرجعه مصدر مطلع إلى تقصير المسؤولين الفلسطينيين في الأراضي المصرية إرسال حافلات لنقل المسافرين من الصالة المصرية إلى داخل الأراضي المصرية.
وتداعى المواطنون الراغبون في السفر، منذ ساعات الفجر الأولى أمس، إلى صالة أبو يوسف النجار في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وهي الصالة التي يتم تنظيم حافلات المسافرين فيها، وفقًا للكشوفات التي نشرتها وزارة الداخلية.
وشهدت الصالة تزاحم المواطنين ممن وردت أسماؤهم في كشوفات وزارة الداخلية وممن لم ترد أسماؤهم في الكشوفات، فالجميع يريد الحصول على فرصة سفر في فتحة المعبر الاستثنائية، لقضاء حوائجهم الإنسانية.
وتحاول السيدة زهرة المصري السفر عبر معبر رفح منذ نحو عشرة أشهر، بسبب إغلاق المعبر، والحصار المستمر المفروض على قطاع غزة، وفق حديثها لصحيفة "فلسطين".
وقالت: "يضيقون علينا وما باليد من حيلة"، مشيرة إلى أن إعاقة حركة السفر ليس من الجانب الفلسطيني بل من الجانب المصري.
وأضافت المصري التي تقيم في السويد منذ خمسين عامًا: "لو فتحت مصر المعبر على مصراعيه، ستسير الأمور إلى الأفضل، ولكن مع الأسف سكان غزة يعيشون في ضنك وحصار".
وأشارت إلى أن ما دفعها لزيارة غزة هو رؤية من تبقى من ذويها بعد وفاة والدها ووالدتها وشقيقها دون أن تتمكن من رؤيتهم أو وداعهم بسبب إغلاق المعبر، قائلة: "تركت خلفي أبنائي وأحفادي وأبكي كل يوم أريد العودة إليهم دون جدوى".
وناشدت المصري العالم الحر العمل على فك الحصار عن قطاع غزة والتخفيف من معاناة السكان، موضحة "نحن لسنا إرهابيين ولسنا داعش، نحن بلد السلام ونحب السلام ونكره الحرب ونريد التنقل مثل بقية الناس في الدول الأخرى".
وقالت: "تنقلت بين دول كثيرة في العالم، ولم أرَ ما رأيته في بلدي من معاناة وقهر، سيما أنها بلد نظيف وطاهر وشعبها طموح يريد العمل والتحرر"، مشيرة إلى أن الفتحات الاستثنائية لمعبر رفح تزيد من آلام ومعاناة المسافرين، متمنية في الوقت ذاته فتحه بصورة دائمة.
بدوره، أوضح السيد مروان أحمد القصاص في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أن لديه طفلًا يعاني من مشكلة في الدماغ ويحتاج إلى العلاج خارج قطاع غزة بشكل عاجل، مشيرًا إلى أنه مسجل للسفر منذ أكثر من سنة.
وذكر أنه عَايَش آلام الانتظار على مدار الفتحات الاستثنائية الأربع الماضية للمعبر، قائلا: "تمكنت من الصعود للحافلة الرابعة في الفتحة الماضية وفقا لكشوفات وزارة الداخلية وتسجيلنا للسفر، ولم نتمكن من السفر وتم إعادتنا لغزة وإغلاق المعبر لدواعٍ أمنية".
واستنكر القصاص تقديم أصحاب التنسيقات الذين يدفعون الأموال، في السفر، وتجاهل المرضى وذوي الحاجات الإنسانية، وفق قوله، مطالبًا السلطات المصرية بالنظر بعين الرحمة لسكان غزة المحاصرين والعمل على تخفيف معاناتهم من خلال فتح المعبر على مدار الساعة.
وأشار إلى أن معظم المواطنين الراغبين في السفر لم يأتوا للتنزه أو السياحة، ولكن عند كل واحد منهم قصة يندى لها الجبين، فمنهم المريض الذي يحتاج العلاج ومنهم الطالب الذي يريد إكمال تعليمه، ومنهم الزوجة العالقة التي تريد العودة إلى زوجها وأبنائها.
وأوضح القصاص أن الفتحات الاستثنائية للمعبر دون تمكن أعداد كبيرة من السفر، ورجوع كثير منهم، يستنزف أموالهم وصحتهم ويفاقم معاناتهم، قائلًا: "طفلي يحتاج إلى عملية لينجو بحياته، وليس أمامي أحدًا أشكو إليه همي إلا الله تعالى وأدعوه أن يسهل أمري ويصرف الهموم عني".

