عند الساعة التاسعة والنصف من مساء يوم 21 مارس/ آذار اقتحمت قوة من جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة في مدينة الخليل مكان عمل الأسير المحرر أسامة شاهين واستدعته وأبلغته أنه سيكون مجرد استدعاء، ليتم اعتقاله دون أي مسوغات قانونية.
تجربة شاهين المريرة ليست الأولى، وإنما هي واحدة بعد عشر قضى في مجملها عامين في سجون أجهزة أمن السلطة التي مددت توقيفه الأخير 48 ساعة بانتظار تحقيق يفترض أن تجريه نيابة الخليل معه اليوم، لكن شاهين نقل، أمس، إلى مستشفى عالية الحكومي في المدينة، بحالة صحية صعبة، نتيجة إضرابه المفتوح عن الطعام والماء، والتعذيب، دخل على إثرها في حالة إغماء، ولا يستطيع الحديث نهائيًّا، وفق مركز أسرى دراسات فلسطين.
وحمل المركز، أمن السلطة المسئولية الكاملة عن حياة وسلامة، واتهمها بمحاولة قتله بالتعذيب والاستخفاف بحياته وهو مضرب عن الطعام والماء أيامًا متتالية.
وفي تفاصيل "الاختطاف السياسي"، تقول زوجته شيماء، إن أسامة (35 عاماً) تأخر عن منزله مساء الثلاثاء الماضي، وحينما عاد للبيت كان طفلاه حسن (7 أعوام) وبنان (3 سنوات) نائمين، ليستيقظا في اليوم التالي، وكان قد غادر والدهما إلى عمله، فانتظراه كي يلعبا معه حين عودته لكنه لم يفعل.
وتضيف، أن الطفلين افتقدا والدهما وبادرا أمهما بالسؤال "ليش طول بابا؟" حاولت الأم تأجيل الإجابة على أمل في غير مكانه لتصارحهما بعد ذلك بحقيقة يحاول أكبرهما تقبلها.
وتوضح الزوجة لصحيفة "فلسطين"، أن أجهزة أمن السلطة اقتحمت بيتها وصادرت حاسوب زوجها الذي يعمل في متجر للاتصالات، وسبق أن اعتقل لدى قوات الاحتلال ست مرات بمجموع سنوات اعتقال بلغت عشرا.
وتتجسد سياسة الباب الدوار بين الاحتلال وأجهزة أمن السلطة لدى عائلة شاهين، فلا يكاد يلتقط أنفاسه من سجون أحد الطرفين حتى يعتقله الآخر، مشيرة أن آخر اعتقال لـ"أسامة" لدى الاحتلال كان قبل ستة أشهر بعد أن أمضى عاما ونصف العام في سجونه، فيما كان آخر اعتقال له في سجون السلطة قبل عامين وأمضى حينها نحو 10 أيام.
وتستحضر "أم حسن" اعتقالا سيئا لزوجها عام 2009 في سجن مخابرات الخليل، حينما تعرض آنذاك لتعذيب شديد وصل لدرجة الخطورة على الحياة، عانى بسببها آلاما كبيرة في الظهر والقدمين نتيجة الضرب والشبح وإجباره على المكوث بالبرد بدون ملابس.
وتشير كذلك إلى حرمانه من الملابس، ورؤية أطفاله، فضلا عن معاناته الصحية بسبب سوء المعتقلات التي تتسبب قلة النظافة فيها والرطوبة بظهور فطريات جلدية.
خمسون استدعاءً
وتدلل على "سياسة الباب الدوار"، بالإشارة إلى أن "أسامة" إذا لم يسجن يتم استدعاؤه من أحد الطرفين، مقدرة عدد مرات استدعاء أمن السلطة له بنحو 50 مرة بين عامي 2008 و 2018، لافتة إلى أنه استدعي الشهر الماضي للمقابلة ثلاث مرات خلال أسبوع واحد.
وتستذكر حين اتصل ضابط إسرائيلي بأحد الأيام لاستدعاء زوجها، وبعد مرور ساعتين اقتحم منزله نحو 200 عنصر من مخابرات ووقائي السلطة في الخليل في عملية الاعتقال التي وقعت قبل عامين.
"السلطة تسعى لقمع أي نشاط لنصرة المسجد الأقصى، يريدون أن تبقى الناس عبدة للرواتب"، قالتها بصوت غاضب على حال عائلتها التي باتت لا تعرف الاستقرار والطمأنينة الاجتماعية بسبب الاعتقالات المستمرة لزوجها وعلى فترات متقاربة، نظرا لدوره في نصرة الأسرى كونه يشغل منصب مدير مركز أسرى فلسطين.
اختلطت الحسرة بالمرارة على واقع حال تمر بها، مضيفة: "نعيش معاناة كبيرة، فخلال الستة الأشهر السابقة بعد خروجه من سجون الاحتلال، كنا نعيش بقلق مستمر ونتوقع بأي لحظة أن يتم اقتحام المنزل واعتقاله"، معربة عن أملها أن تنتهي مشكلة الاعتقال السياسي.
وتصف صعوبة ما تمر به أسرتها الصغيرة بأنها "حياة مريرة، فهي ليست حياة، فلا نشعر بالاستقرار"، متسائلة: كيف لطفل عمره سبع سنوات لم يعش مع والده إلا عامين نتيجة الاعتقالات المتواصلة وبنت ولدت ووالدها في الاعتقال أن يعيشا بطمأنينة؟.
وتقول "أم حسن" إن زوجها تعرض كثيرا لاتصالات وتهديدات من أمن السلطة، عوضا عن المعاملة السيئة لعائلته خلال فترات اعتقاله، إذ لم تستطع زيارته إلا مرة واحدة من بين جميع فترات اعتقاله، وكان ذلك عام 2010.
ومنذ توقيع اتفاق المصالحة الأخير في 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، رصدت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين، أكثر من 150 انتهاكاً ارتكبتها أجهزة أمن السلطة بالضفة، توزعت ما بين 100 حالة استدعاء، وأكثر من 40 حالة اعتقال تعرض العديد منهم للتعذيب، وخاض بعضهم إضراباً مفتوحاً عن الطعام لاعتقالهم غير القانوني.
ووفقاً لتقرير اللجنة لواقع الحريات خلال عام 2017، نفذت أجهزة أمن السلطة 4071 اعتداءً على المواطنين، منها 1255 اعتقالا سياسيا، و1608 استدعاءات، على خلفية انتماءاتهم السياسية، ونشاطات ذات صلة بمقاومة الاحتلال والتعبير عن الرأي على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتنص اتفاقيات المصالحة الموقعة من الفصائل الفلسطينية، وعددها 13، على ضرورة معالجة ملف الاعتقالات السياسية وإنهائه بإشراف مصري ومؤسسات حقوقية.

