فلسطين أون لاين

شعب شاذ عن القاعدة

نجح المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في تمزيق الضفة الغربية المحتلة إلى أشلاء، وأصبح أمر إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة ضربًا من الخيال، ما لم يوجد في كيان الاحتلال قائد يملك الجرأة والقوة السياسية على إخلاء المستوطنات بالضفة، وهذا أمر لا يبدو ممكنًا بأي حال من الأحوال، لأن الاحتلال يسابق الزمن نحو السيطرة المطلقة على الضفة، وما قلته عن الضفة ينطبق تمامًا على القدس المحتلة، وهذا يعني أن استمرار الحديث الرومانسي عن الدولة الفلسطينية في الضفة والقدس بات سرابًا أو خداعًا للذات، وتبقى غزة التي تتجه إليها الأنظار وتحار بين مشكلتها الإنسانية المتفاقمة والمستقبل السياسي الذي يراد لها.


لقد أصبحت أسطوانة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها شرقي القدس وحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين حسب مبادرة السلام العربية والقرار (194) أسطوانة مشروخة يكررها بعض كالببغاوات، فاليوم كلٌّ يحذر من أن هناك مؤامرة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بتوسيع رقعة قطاع غزة وإقامة دويلة فلسطينية هناك، وتوطين اللاجئين في أجزاء من سيناء، وترك الضفة لقمة سائغة للاحتلال، ومع ذلك انقسامنا مستمر ويحيك بعضنا لبعض المكائد والدسائس، وكل واحد يتهم الآخر بتعطيل المصالحة بدلًا من التصدي لتلك المؤامرة ومحاولة إفشالها، بل على العكس إن كل ما يجري على الساحة الفلسطينية يمهد لتمرير تلك التصفية.


فلماذا نحن شعب شاذ عن القاعدة؟!، ففي كل دول العالم عندما يهدد أية دولة عدوان أو لخطر خارجي فإن أول شيء يتفق ويتوافق عليه لمواجهة هذا الخطر هو توحيد الجبهة الداخلية من أحزاب وحركات في السلطة وأحزاب وحركات معارضة، ليتسنى إفشال هذا العدوان، أو للتصدي الفاعل لهذا الخطر، إلى حين السير بالدولة إلى بر الأمان، وهذا الشيء أيضًا اعتمدته حركات التحرر العالمية العربية منها والعالمية، فعلى سبيل المثال: إن الثورة الجزائرية شكلت ما يعرف بجبهة التحرير الجزائرية التي انخرطت في إطارها الأحزاب والقوى جميعًا من أجل تحرير الجزائر من الاستعمار الاستيطاني الفرنسي.


فعندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في أماكن وجوده كافة تضم في إطارها فصائل العمل الوطني كافة؛ كان يحسب لها ألف حساب، لما حققته من الكثير من الإنجازات بفعل هذه الوحدة، ونضالات شعبنا الذي كان يلقى احترامًا وتقديرًا من أحرار العالم جميعًا، فقد أدت الوحدة الفلسطينية إلى اعتراف معظم دول العالم بمنظمة التحرير، وكذلك الدول العربية، وأرغمت أيضًا الكيان العبري على الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، بعد أن كان ينكر ذلك، وعلى لسان قادتها، وفي مقدمتهم غولدا مئير رئيسة الوزراء السابقة، وغيرها من قادة الاحتلال الذين أنكروا وجود شعب اسمه الشعب الفلسطيني.


ويا للأسف الشديد!، إن ما نشاهده ونعيشه الآن من انقسام أسود على الساحة الفلسطينية، وتراجع دور منظمة التحرير أدى إلى اشتداد حدة المؤامرات التصفوية لشعبنا وقضيته الوطنية العادلة، ولمواجهة هذه المؤامرات التصفوية لابد من إعادة توحيد الساحة الفلسطينية، وإعادة الاعتبار والدور لمنظمة التحرير، بدلًا من مواصلة هذا الانقسام البغيض الذي سيدمر شعبنا وقضيته.


يجب علينا أن ندرك مدى خطورة المرحلة ونتجاوز خلافاتنا قبل فوات الأوان، فوحدة الساحة الفلسطينية والترفع على المصالح الفئوية والحزبية والشخصية باتا ضرورة ملحة لا تحتمل التأجيل أو التأخير، في ضوء ما نحن به وما نواجهه من تحديات ومخاطر، ومرة أخرى لن يأتي الزمان الذي ترضى فيه قيادة فلسطينية أو عربية بأن تُسجل على نفسها التنازل عن القدس أو عن الحق العربي والفلسطيني، فكيف إن كانت الحلول المطروحة تتعلق بغزة الصامدة أمام العدوان والمتحدية للحصار، مهما صار؟!