لماذا خيّر عباس في خطابه الأخير حركة حماس بين تولي مسئولية حكم قطاع غزة بالكامل، أو ترك غزة لحكومة الحمد الله بالكامل دفعة واحدة؟!
الجواب يقتضي النظر أولاً في جدية المقترح، لأن ظلال الشك تحيط به، ولأنه جاء تحت التهديد والتعنيف والاتهام بما لا يليق. النظرة التاريخية القريبة بين ٢٠٠٦م وحتى اليوم تقول إن عباس لا يؤمن بحق حماس في الحكم، ولا في المشاركة في الحكم، فقد حارب مشاركة حماس في الحكم بعد ثلاثة أشهر من فوزها بالانتخابات حين دعا لانتخابات مبكرة في عام ٢٠٠٦م.
وحين وقع الانقسام أقال عباس حكومة إسماعيل هنية، وشارك الآخرين في حصار غزة، وحين قرر إسماعيل هنية التخلي عن الحكومة في عام ٢٠١٤م لصالح حكومة اتفاق وطني، لم يسمح عباس لحماس بالمشاركة الحقيقية في الحكومة، وظلت المصالحة جامدة لا روح فيها.
استأثر عباس بالحكومة والحكم، وبالمال والقرار، واتهم حماس بعرقلة المصالحة، وفرض العقوبات المجحفة على غزة، في الوقت الذي تشهد فيه الفصائل والقيادات الوطنية أن حماس قامت بتنازلات كبيرة لإنجاح المصالحة، وأن عباس هو العقبة المعطلة.
عباس يستأثر بالسلطة والحكم منذ وفاة ياسر عرفات، وهو يتفرد بالقرار داخل فتح وخارجها، ويحرك اللجنة التنفيذية والمنظمة وفق رؤيته دون شراكة حقيقية من الأعضاء ويرفض التعاون مع المخالفين لرأيه. إن من كانت هذه رؤيته، وهذه مواقفه، فإنه لا يمكن أن يكون جاداً في تخييره لحماس بين حكم غزة، وبين ترك حكمها له دفعة واحدة، هو يريد محاصرة حماس، والتهرب من الشراكة واتفاق القاهرة.
فحماس التي تنازلت عن حكومتها وشرعيتها لصالح المصالحة لا تقبل أن تعود إلى الحكومة مرة أخرى في إطار حكم قطاع غزة، ولو قبلت حماس جدلاً بخيار حكم غزة لبادر عباس باتهامها أنها تريد إنشاء دولة في غزة، وفصلها عن الضفة، وأنها تعمل لصالح الاحتلال، كيف لا وعباس يتهم حماس بهذه الاتهامات في خطابه الأخير وحماس في وضع من يتنازل عن الحكم لا في وضع من يستأثر في الحكم ويتمسك به؟!
لذا ردت حماس على عباس بمقترح إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية لاختيار من هو مؤهل للحكم في هذه المرحلة الصعبة، وقد أحسنت حماس في ردها هذا لأنها تعطي الأولوية لوحدة الضفة وغزة في ظل المؤامرة التي تحاك لتصفية القضية الفلسطينية.
إن مقترح عباس إنشائي، لا روح وطنية فيه، وهو مردود عليه، والبديل هو المصالحة القائمة على المشاركة لا على المغالبة، وأن تتولى حكومة وحدة وطنية الحكم، وأن يناط بها الإعداد لانتخابات عامة في غضون ستة أشهر. وإن كلام عباس لا يزيد على مناورة تهدف إلى الضغط على حماس وعلى غزة أيضاً، فقد اعتاد أن يحصل من حماس عن تنازلات كلما زاد الضغط عليها، خاصة في الشؤون المدنية والحياتية؟!