رحل القائد في كتائب الشهيد عز الدين القسام والأسير المحرر مازن فقها عن هذه الدنيا وبقيت المقاومة في الضفة الغربية صامدة ومتقدمة ومؤثرة أكثر في الاحتلال الإسرائيلي، وتلك كانت أهداف لطالما سعى الشهيد إلى تحقيقها والحفاظ عليها.
كانت أفكار ومعتقدات الشهيد فقها أن النيل من قيادات المقاومة لا يؤثر على مسار خيار المقاومة، كونه المسار الأصح للتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين والذي سيبقى غنيا بالشهداء وبالقادة الذين يسيرون على طريق الشهداء.
فقها جمع ثلاثية النضال الفلسطيني، فكان مطاردًا وأسيرًا ثم شهيدًا، من مواليد مدينة طوباس شمال الضفة الغربية المحتلة، وأحد محرري صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011، وأُبعد إلى غزة بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال التي كان يقضى فيها حكما بالسجن 9 مؤبدات.
واصل فقها العمل المقاوم بعد الإفراج عنه، حيث اتهمه الاحتلال بالوقوف خلف عمليات للمقاومة في الضفة الغربية المحتلة. وفي الرابع والعشرين من مارس/ آذار 2017م، اغتيل فقها بإطلاق الرصاص عليه من مسدس كاتم للصوت أمام منزله في حي "تل الهوى" جنوب غرب غزة.
بعد 47 يوما فقط على حادثة الاغتيال، أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في 11 أيار/ مايو الماضي عن اعتقال منفذ عملية اغتيال فقها وشركائه في الجريمة، وفي الـ25 من الشهر ذاته نفذت وزارة الداخلية والأمن الوطني حكم الإعدام بهم.
قائد ذكي ومثقف
فقها منذ طفولته وهو شبل في قريته طوباس كان محافظا على الصلاة في المسجد، وبعدها انتقل لجامعة النجاح وكان ناشطا في الكتلة الإسلامية، كما يتحدث صديقه الأسير المحرر عبد الرحمن شديد.
ويكمل شديد لصحيفة "فلسطين: "جمعتني بالشهيد فقها الزمالة الجامعية. كان هو ابن كلية الاقتصاد وأنا في كلية الشريعة، نختلف في التخصص لكن كان هناك زمالة وجزء من عمل مقاوم، مشيرًا إلى أنه اعتقل قبل إتمام العمل بينما واصل فقها طريقه في المقاومة خلال انتفاضة الأقصى بتنفيذ عملية صفد التي قتل فيها تسعة جنود إسرائيليين ومن ثم جرى اعتقاله.
تميز فقها بذكائه وأخلاقه فكان شابا مثقفا لديه قدرات كبيرة للتعلم والتعليم، وكان يخطب الجمعة داخل السجون، فكان قارئا في التخصصات الشرعية، ويدرس المواد المنهجية الجامعية داخل السجن، حفظ القرآن وأخذ السند من شيخه عيسى حاد حاد في سجن رامون، ومن صفاته أنه يحب الكتابة فكان بليغا في كتابته وجمال خطه وفي كتابة الشعر، بذلك اختصر شديد صفات رفيق الدرب
ويتابع: "فقها قائد بكل ما تحمله الكلمة من معنى ورجل مؤثر في مكانه، فرغم ملاحقته وسجنه لكنه لم يتراجع وبقي ثابتا حتى الاستشهاد، مؤكدا أن مسار المقاومة وتعبيده لا يكون إلا بدماء الشهداء".
ويضيف شديد: "فقها كان إضافة نوعية للمقاومة بالضفة وبنفس الوقت ومع اعترافنا أننا خسرنا بطلا وقائدًا كفقها وبهذا القدر، فنحن ربحنا الكثير وهذا ما لا يدركه الاحتلال، فنقدم الشهداء ونقطف الثمرة ويشهد على ذلك تاريخ القضية من انتفاضات والتي بقيت شعلة المقاومة مستمرة، بينما نحن نرى أن مسار التسوية فشل فشلا ذريعا".
لا ينسى شديد الموقف الأخير الذي جمعه بالشهيد يوم الاغتيال، بعد أداء صلاة الجمعة، أخذه فقها جانبا وقال له: "الضفة بحاجة إلى جهد كبير منا. الضفة تُنحر وبحاجة أن نقف موقفا جادا ونعيد الوضع فيها بكل قوة وثقل.. هذا يحتاج إلى مزيد منالجهد وليس هذا الجهد ونكتفي". يقول شديد إنه لم يدرك أنه سيكون اللقاء والوصية الأخيرة مع رفيق دربه.
وتثبت الضفة كما يقول شديد بعد عام من استشهاد فقها أنه مهما "تكالبت" عليها كافة الاجهزة الامنية التابعة للسلطة وأجهزة الاحتلال وحوصرت المقاومة فيها، واجتمعت كل فئات الشر لتجفيف منابع المقاومة هناك، إلا أن شباب الضفة يواصلون طريق المقاومة بالدهس والطعن واطلاق النار كما فعل الشهيد أحمد نصر جرار.
"إن المقاومة بعد عام من استشهاد مازن قويت وهي على طريق القوة والتمكين، وكلما تقدم قائد وارتقت روحه للعلياء سيخلفه 100 قائد، فهذا الشعب الولود والذي سبقه آلاف القادة في كل مرة سيكون عشرات المقاومين الذين يسلكون ذات الطريق" يضيف.
واحتل فقها، والكلام لشديد، مكانة عظيمة في نفوس الأسرى المحررين سواء داخل السجن أو في قطاع غزة.
حكاية مع المقاومة
ومع بداية انتفاضة الأقصى، لاحقت أجهزة السلطة الأمنية الشهيد فقها، واعتقل ثلاث مرات، واستجوبه جهاز المخابرات في المرة الأولى عام 2000، واعتقل شهرًا عام 2001.
وفي شهر فبراير من عام 2002، أصبح فقها مطاردًا لقوات الاحتلال تلاحقه وأسرته وتداهم بيته بشكل متكرر، بين الحين والآخر، إلى أن اعتقلته في صباح يوم الاثنين في الخامس من آب/ أغسطس 2002، بعد حصار دام 6 ساعات في منزل تحصن فيه، ثم هدمت منزله بعد ثلاثة أيام.
استخدمت سلطات الاحتلال مع الشهيد خلال اعتقاله في سجون الاحتلال أقسى أنواع التحقيق، وحكم عليه بالسجن (9 مؤبدات و50 سنة)، وتحرر ضمن صفقة وفاء الأحرار عام 2011 لتبدأ مسيرة جديدة من الجهاد والتضحية انتهت باستشهاده.