دولة الاحتلال تعاني من قلق وجودي بشكل دائم رغم تفوقها العسكري والاقتصادي على الدول العربية. القلق على المصير بدأ مع النشأة في عام ١٩٤٨م، وما زال يسكن النفس الإسرائيلية والدولة أيضاً٠ قادة دولة الاحتلال وخبراؤها يحاولون تبديد القلق من خلال تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي. التصفية لا يمكن أن تنجح إلا بمساعدة أميركية وعربية أيضاً، وإسرائيل ترى أن البيئة في عام ٢٠١٨ تبدو مواتية يتحقق هذا الهدف.
لا شيء يقلق (إسرائيل) مثل مشكلة اللاجئين وحق العودة، لذا نجد الاستراتيجية الإسرائيلية تقوم على التخلص من مشكلة اللاجئين ومطلب حق العودة، ومن ثم قامت استراتيجيتها على قواعد محددة يعزز بعضها بعضاً، ومن هذه القواعد:
١- توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم لا سيما في البلاد العربية، بالتعاون مع الأنظمة العربية، من خلال حلول سياسية وإغراءات مالية واقتصادية .
٢- إسقاط مشكلة اللاجئين وحق العودة عن مائدة المفاوضات، ونقلها من باب السياسة والقانون إلى نافذة القضايا الإنسانية والإغاثية. وهذه القاعدة وجهت الفعل الصهيوني منذ النشأة وحتى تاريخه.
٣-تدمير البعد الإنساني والإغاثي الخاص الذي تمثله وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) من خلال إنهاء عمل هذه المؤسسة الخاصة، ونقل أعمالها إلى المفوضية العامة للاجئين، وهذا يقتضي تجفيف منابع الأموال التي تتدفق على (الأونروا) من الدول المانحة. لقد رحب نتنياهو بموقف إدارة ترامب وقف نصف مساعداتها السنوية للأونروا وقد قدّر النصف ب (٦٥ مليون دولار).
٤- تفعيل أنشطة سياسية أميركية إسرائيلية ضاغطة على الدول المانحة للأونروا لوقف مساعدتها المالية، لإيقاع الأونروا في حالة عجز مالي يمنعها من مواصلة خدماتها للاجئين، هذا وتحاول (إسرائيل) اختراق ( الأونروا) نفسها من خلال موظفين بها يؤيدون الاستراتيجية الإسرائيلية.
إن من نتائج هذه الاستراتيجية وصول العجز المالي في(الأونروا) إلى (٤٤٠) مليون دولار في عام ٢٠١٨ ، وفشل مؤتمر روما الأخير عن سد هذا العجز، حيث لم تتجاوز الأموال المجموعة المائة مليون دولار فقط ، وهذا الفشل يرجعه المراقبون إلى الضغوط الأميركية والإسرائيلية على الدول المانحة، وإلى العجز العربي الذي لم يحسن تفهم استراتيجية تدمير الوكالة وتداعيات هذه الاستراتيجية.
لقد ارتبطت نشأة(الأونروا) بمشكلة اللاجئين في عام ١٩٤٨ م، وبها أناطت الأمم المتحدة إغاثتهم وتشغيلهم إلى أن تحلّ مشكلتهم وتتحقق عودتهم، ومن ثمّ يجدر بالنظام العربي العمل على استبقاء وظيفة (الأونروا) إلى أن يطبق قرار إنشائها واقعيا وهذا يتطلب مواجهة الاستراتيجية الإسرائيلية الأميركية في هذا الباب.
إن ما أنجزه مؤتمر روما ( مائة مليون دولار) لا يغطي إلا ربع العجز المالي، ومن ثمة لا يمكن وصف المؤتمر بأنه ناجح، وإن كانت خطوة على طريق المعالجة، وهي تحتاج إلى خطوات تالية ذات مصداقية يقودها الفلسطينيون والعرب المؤيدون لحق اللاجئين بالعودة.