فلسطين أون لاين

الأسوأ من التفجير

...

يبدو أن الرئيس محمود عباس يعيش أسوأ أيامه في رئاسة السلطة، حيث يحاصره الفشل من كل الجبهات المحلية والإقليمية والدولية، ومن ثمة اتجه إلى خطاب عاصف يضع فيه نهاية مؤسفة لمفهوم الوحدة الوطنية ومفهوم المصالحة.

الرئيس عباس الذي تجاوز الثمانين عامًا يشعر بألم الحصار الأميركي والإقليمي والإسرائيلي، فمشروعه لحل الدولتين لفظ أنفاسه الأخيرة منذ أن تنكر له (ترامب ونتنياهو). ومنظمة التحرير في القراءة الأميركية لإدارة ترامب هي منظمة إرهابية، ولا تجديد لتصريح فتح مكتبها في أمريكا، ولن تقدم أمريكا مساعدات مجانية لسلطة عباس. الإقليم العربي في الرؤية الأميركية هو البديل عن المنظمة والسلطة معا. وبعض دول الإقليم تبحث عن بديل لعباس يمكن التعامل معه في ضوء هذه الأوضاع الأسوأ في رحلة القضية والعرب؟!

وحيث لا نور يهدي في آخر النفق جاء خطاب عباس أمس ١٩/٣/٢٠١٨ مشبعًا بكل هذه المرارة التي تحيل الماء العذب مرًّا، فلم يجد أمامه إلا حركة حماس ليصب عليها جام غضبه، وكأنها هي التي أفشلت مشروع الدولتين، وكأنها هي التي تحاصره وتهينه، وقديمًا قالوا: (مش على رمانه، ولكن القلوب مليانه؟!)، حتى أنه وصف حماس بأنها ليست إسلامية ولا يعرف رجالها الإسلام؟! وهو أمر لا علاقة له بالسياسة والخلافات الحزبية.

إن إخراج حماس من الإسلام، ووصف فريدمان السفير الأمريكي في دولة الاحتلال "بابن الكلب"، يدلّ على أن عباس لم يكن بخير أو على ما يرام في أثناء إلقاء الخطاب، لأنه تجنب اللغة الدبلوماسية، ووضع نفسه في موضع المفتي الشرعي بغير مؤهلات مسعفة؟!

عباس لا يريد الشراكة لا مع حماس ولا مع غيرها، ولا يريد للمصالح أن تتم وأن تصل غايتها، وهو لا يريد غزة ولا سكانها، ومن ثمة استغل الانفجار شماعة لطعن حماس والمصالحة بطعنة قاتلة، يخفي بها فشل مشروعه التفاوضي، وفشله في إدارة ملف الوحدة الوطنية.

كان عباس يطالب حماس بحل اللجنة الإدارية، لكي يرفع العقوبات عن غزة، فلما تمّ حلّها لم ترفع العقوبات، وطالب بالمعابر والتمكين لحل مشاكل غزة، ولما أعطي المعابر والوزارات طالب بالأمن والسلاح، وهو يطلب في خطابه الآن تسليم السلطة في غزة دفعة واحدة؟! وإن لم يتمّ ذلك كما جاء في الخطاب فسيفرض عقوبات جديدة على غزة، والغريب أن عباس يطلب من السكان في غزة تفهم هذه العقوبات وأنها ضد حماس فقط؟!

عباس لم ينسَ أنه كان شريكا لإسرائيل في محاصرة غزة منذ بدء الحصار قبل أكثر من عشر سنوات، وحماس لم تنسَ هذا، ولم تنسَ قرارات حكومة فياض، ولكنها قررت حماية المشروع الوطني من خلال التنازل عن شرعيتها في الحكم والذهاب إلى المصالحة.

إن لغة (الصرامي والكنادر) تعبر عن حالة من الهستيريا والإسفاف غير مسبوقين في خطاب الرؤساء للجماهير، وهو ما دفع هند الفايز إلى القول: "يجب على محمود عباس أن يأخذ (٢جم) من كرامة الشعب الفلسطيني في غزة، وإسرائيل تُحسد على محمود عباس والخدمات التي يقدمها لها".

إن التفجير سيئ، ولكن الخطاب أسوأ. إن خطاب عباس يقدم أفضل الخدمات لإسرائيل وأمريكا، لأنه يمزق الوحدة الوطنية، ويبدد الآمال في نجاح المصالحة، ويصرف الجبهة الداخلية نحو الصراعات البينية؟ وإن فرض عقوبات جديدة على غزة لن يدفع غزة للاستسلام لإسرائيل أو لصفقة القرن، ولكنها حتمًا ستضر بفتح وتاريخها الثوري، وتريح إسرائيل في المحافل الدولية التي تتهمها بحصار غزة.