"لا عذر لديكم لعدم التحرك، فالتقاعس لا يزيد معاناة أهالي قطاع غزة فقط، بل يزيد من التحديات الأمنية (لمصر وإسرائيل) على حدٍّ سواء".
هذا ما قاله (جيسون غرينبلات) في مؤتمر بواشنطن حول مشاكل غزة الإنسانية موجهاً كلامه لممثلي السعودية والإمارات وقطر وعمان ومصر والأردن الذين حضروا المؤتمر. المؤتمر غابت عنه السلطة الفلسطينية، ووكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الدولية (الأونروا).
لقد غابت السلطة عن المؤتمر لأنها ترى في قبول الدعوة الأميركية إقراراً غير مباشر بقرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لدولة (إسرائيل). يمكن أن نتفهم قرار السلطة وغيابها إذا ما كان موقفها ضمن استراتيجية فلسطينية لإفشال مشروع صفقة القرن وضم القدس، لذا ينبغي أن نبحث فلسطينياً عن الخطوة التالية بحيث لا نقف عند المستوى الإعلامي، والخطوة التالية للأسف ما زالت مجهولة أو غامضة؟!
إن الحضور العربي للمؤتمر مؤسف لأمرين: الأول يتمثل في التخوف المنطقي الذي تخافه السلطة والذي منعها من الحضور على حد قولها، ومن ثمّ يمكن لإدارة ترامب أن تدعي أن القادة العرب الأغنياء والمؤثرين يتقبلون قرار ترامب بشأن القدس.
والثاني: هو الرابط بين مضمون هذا المؤتمر وما يسمى بصفقة القرن، حيث تتحدث بعض المصادر عن أن معالجة شئون غزة تسبق بشكل ما طرح صفقة القرن ولو على المستوى الإعلامي.
إن ما يثير الشك في أهداف هذا المؤتمر إضافة لما تقدم هو عدم دعوة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) إلى حضور المؤتمر، ما يعني أن أميركا وبالذات كوشنير وغرينبلات يبحثون عن بديل للأونروا يتولى الشئون الإنسانية في غزة، لأن الأونروا ترتبط بشكل مباشر بقضية اللاجئين وحق العودة، ومن ثمة يمكن القول إن غزة هي الشعار وأن خدمة إسرائيل هو الجوهر الذي يحرك المؤتمر، ولا ننسى أن المؤتمر كان للعصف الفكري ليس إلا.
وبعبارة أخرى إن المؤتمر يضع خطوة جديدة في تفكيك (منظمة الأونروا) وإنهاء عملها، وهي خطوة خطيرة سبقتها خطوة عملية من (ترامب) حين حجب نصف المساعدات الأميركية عن الأونروا.
إن حجب المساعدات الأميركية عن الأونروا هو خطوة عملية خطيرة لتنفيذ الرؤية الإسرائيلية الداعية لإنهاء عمل الأونروا، والخلاص من مشكلة اللاجئين وحق العودة. إن الحضور العربي مثير للقلق في ظل غياب الأونروا، وفي ظل دعوة (إسرائيل) لإنهاء مشكلة اللاجئين من خلال إنهاء عمل الأونروا، وهو مثير للقلق لأنه يأتي في ظل صفقة القرن، وفي ظل إسقاط القدس عن مائدة المفاوضات.
هذا واللافت للنظر أن إدارة ترامب تريد أن تحل بعض المشاكل الإنسانية لغزة بالمال العربي لا بالمال الاميركي، وهو فعل يستطيعه العرب إذا أرادوا بأنفسهم مباشرة دون أن يترتب على ذلك أعباء سياسية مشبوهة (عليهم أو على القضية الفلسطينية)، وهنا نقول إن النظام العربي لا يمكن أن يحل محل وكالة الغوث (الأونروا) في مجال المساعدات الإنسانية، وفي دلالات وجود (الأونروا) وارتباطها بمشكلة اللاجئين،
في ضوء ما تقدم فإن على الفلسطينيين مسئولية حشد طاقتهم لإفشال المؤامرة التي تحاك ضد (الأونروا) لأنها في الجوهر هي مؤامرة ضد اللاجئين وحق العودة، وهي خطوة جديدة على طريق التوطين، وتصفية القضية الفلسطينية خلف شعارات إنسانية؟!