فلسطين أون لاين

​"عمر" يستعيد "المنزل المفقود" ببقايا الأخشاب

...
الجزائر / غزة - رنا الشرافي

أن نفقد ما كنا نملكه لبرهة قصيرة، هو وجع لن يشعر بحجمه إلا من ذاق مرارة الفقد، لمكان أو إنسان أو حتى حيوان ألفه وعاش معه وقتًا من الزمن أضحى فيه هذا المفقود وطنا ومصدر أمن وسعادة للفاقد.

"قطوش عمر"، من مدينة سطيف الجزائرية، موظف يعمل في شركة خاصة، وهو في الوقت نفسه عضو في فريق الكشافة الإسلامية الذي ينفذ نشاطاته في الغابات، حيث الأشجار الفارهة الكثيفة والأغصان المتشابكة والحيوانات الأليفة والمفترسة.

عالم الغابة

حياة كاملة، وعالم مختلف تمامًا عن عالم المدينة والريف، بل إنه مختلف عن عالم البشر المعاصر، وهو أقرب للحياة البدائية.. تلك الأغصان المترامية والأشجار الكبيرة حجمًا وعددًا أوحت إلى عمر بأن يستفيد منها بطريقته الخاصة.

جمع تلك الأعواد الخشبية، وقام بقصها وتنعيمها حتى أصبحت جاهزة للتصنيع، ولكن ماذا يصنع بها؟ هو يستطيع أن يصنع ذلك الحلم القديم الذي لطالما رسمه على دفاتر المدرسة وكتبها.. عن منزله القديم أتحدث.

كان يقطن مع عائلته في منزل كبير وقديم ولد وترعرع فيه، حتى بلغ من العمر عشر سنوات، وعندها وقع والده في ضائقة مالية اضطرته لبيع المنزل والانتقال إلى شقة أصغر، ولكن قلب عمر بقي معلقاً في ذلك المنزل.

ومنذ ذلك الحين وذاك المنزل حلم يراوده في صباه وشبابه، يرسمه كلما أمسكت يداه قلماً ومرت به على ورقة، والآن وبعد أن بلغ عمر من العمر 30 عاماً تزوج خلالها وانتقل إلى منزله الجديد وأنجب طفله الأول، لا يزال يحلم بالمنزل.

أصر على بناء ذلك المنزل ولكنه لن يجازف في تجربة قد تفشل، ففضل بناء منزل عادي، وحتى يضفي إليه ما يميزه جعل أسفل منه حوضاً زجاجياً لتربية الأسماك وهو ما لاقى إعجاب عائلته وأصدقائه وشجعه للمضي قدما، خاصة بعد أن نفذت فرق الكشافة التي كان ينتمي إليها معرضاً أجبره على عرض ما أنتجته يداه ليجد تشجيعا أكبر وأكبر.

بيت العمر

تلك البداية وضعت قدما عمر على أول الطريق لبناء منزل الأحلام الذي لم ينفك عن الحلم بتحقيقه، وبالفعل بناه على شكل مصغر وكأنه تحفة فنية مذهلة رصدت أدق التفاصيل فيه.

بنى عمر منزله وها هو ينتظر ابنه ليكبر حتى يحدثه عما جرى بين أروقة هذا المنزل، والذي قال عنه: "حياتي وآمالي وطموحي وكل شيء ارتبط بجدران ذلك المنزل، 20 عاما مضت ولا زلت أذكر تفاصيله، وسأذكرها ما حييت".

وأضاف: "كان حلمي أن أحصل على بيت، وفي كل مرة كنت أصنع فيها منزلاً كنت أجد نفسي مجبراً على إعادة صناعته من جديد، وكررت التجارب حتى خرجت بذلك المنزل"، مشيراً إلى أن أول منزل صنعه كان في العام 2008.

وإلى جانب ذلك المنزل، صنع عمر أرففًا خشبية تُعلق على الحائط، وقوارب وسفن، وأشياء أخرى، لكنه لا يفتخر إلا بصناعة المنزل الذي شعر أنه عاد إليه من جديد.

عمر الفخور بما صنع، والفخور كذلك بقوميته الجزائرية العربية الإسلامية، ينظر لفلسطين على أنه بلده الثانية، فقد بدأ حديثه معي: "أنتِ من بلدي الثاني فلسطين وأنا أفخر بكما"، ثم صمت قليلاً قبل أن يتابع: "سامحونا، قصّرنا في حقكم".

وفي ختام حديثه معنا، قال: "أهدي عملي هذا لأهلي في فلسطين وأدعو لهم بالنصر القريب بإذن الله"، داعياً أصحاب المواهب إلى التوكل على الله أولا، والتسلح بالإرادة ثانياً، ومن ثم أن يفجروا موهبتهم ، وينطلقوا إلى الأمام لتحقيق أحلامهم.