الرسم بالنسبة لها موهبةٌ نمى معها منذ طفولتها، لم تدرس الرسم بالجامعة، ولكنها تبدع بقلمها الخشبي وريشتها مستخدمةً الألوان المائية والزيتية برسم شخصيات كرتونية مشهورة، ولوحات شخصية لأطفال وأشخاص، لتخط بإبداعها لوحات جميلة تدلل على احترافية، وهي تطمح بالمشاركة في مسابقات ومعارض محلية أو خارجية.
حينما تتجول في رسوماتها، تشدك لوحة لعينٍ زرقاء، ولوحةٌ أخرى لحصان ينحني برأسه للأسفل رسمتها بـــ ألوان الزيت؛ للوهلةِ الأولى تعتقد أنها صورٌ فوتوغرافية، لكنها كانت بأنامل ملاك أبو شوشة، التي رسمتها بالألوان المائية على مدار يومين، وبالنظر إلى ذات الرسومات ترى أنها جميعها متقنة، وتدلل على موهبتها.
وبقلمها الخشبي الذي تُدّرجه ضمن المرتبة الأولى في الاتقان ثم الزيتي ثم المائي، غاصت بشوارع القدس القديمة لترسم أحيائها، وبذات الإتقان رُسمت أطفالٍ وسيارات، على لوحات ورقية وخشبية، وحتى على القماش.
البدايات
بدأت ملاك إبراهيم أبو شوشة ( 22 عام) الرسم منذ أن كانت في سوريا التي عاشت فيها ثماني سنوات، حيث سكنت في العاصمة السورية دمشق؛ وحين ألمّت بها الويلات عادت إلى قطاع غزة عام 2011م حينما اندلعت أحداث " الثورة السورية " في أذار/ مارس 2011، وما أن وصلت القطاع انخرطت في دراسة تخصص ديكور داخلي من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، وخلال العامين انقطعت نوعاً ما عن ممارسة موهبتها في الرسم.
وما أن انتهت من الدراسة عادت لتخط بريشتها وأقلام رسمها لوحاتها المتميزة وكلها طموح وأمل أن تصبح فنانة تشارك بمعارض فنية إن سنحت لها الفرصة بذلك.
" في سوريا كانت معلمة الرسم تعرض رسوماتي أمام جميع أبناء الفصل" ..تستذكر ضاحكة تلك المعلمة التي شجعتها على الاستمرار في الرسم، وتكمل بفخر: "كانت تلك المدرسة معجبة برسوماتي، ولطالما أعجبتها جميع اللوحات، حتى أنها في نهاية العام الدراسة طلبت جميع الرسومات كي تحتفظ بها".
وما تزال تحتفظ في ذاكرتها ما قالته لها تلك المعلمة في ذلك اليوم.."أنتِ موهوبة ولك مستقبل، ورسوماتك جميلة".
(هل أحضرت تلك اللوحات معكِ للقطاع؟) بهدوء اكتسى صوتها مرفقاً بابتسامة تقول: "لا؛ تركتها جميعها في بيتنا بسوريا الذي قصف خلال الحرب الدائرة هناك، كنت أعتقد أن قدومنا لغزة سيكون مؤقتاً وأننا سنعود إلى سوريا بعد حين".
حزنها على ما فقدته من لوحات هناك، لم يمنعها من مواصلة طموحها، ففي غزة خطت طريقها من جديد، وبدأت بإعداد لوحاتها عن شخصيات رسوم متحركة، ومناظر للورود، والخيل، وأطفال.
وعما إذا كانت موهبتها بالفطرة أم بالتعلم؛ جاءت إجابتها ممزوجة بالفخر والثقة: "موهبتي بالفطرة لأني لم أدرس الرسم، لكني أستطيع رسم أي شيء، وعلى أي شيء سواءً على لوحة خشبية أو قماش، أو الورق، أو ألواح الرسم المخصصة".
ونبعت موهبتها من خلال الممارسة المستمرة وتطوير الذات من لوحة إلى أخرى، وتسترسل في حديثها مع صحيفة "فلسطين":"كنت أشاهد على الانترنت وقنوات اليوتيوب لوحات الفنانين الأجانب، ومقاطع تعلم الرسم في البداية وأطبق ما أشاهده، وأنظر إلى رسومات هؤلاء الفنانين وأقلدها حتى وصلتُ بفضل الله إلى مستواي الآن ".
دقة متناهية
تعود إلى تلابيب ذاكرتها لتخبرنا عن أول لوحة رسمتها، كانت حينها ترسم حصان بجواره فتاة، تقول عنها: "كانت رسمة عادية ولكني شعرت بالفخر حينها، وكانت نقطة انطلاق، وبعد أن شاهدها والدي شجعني على الرسم، ووفر لي ما احتاجه من ألوان ولوحات".
أحبت ملاك رسم الشخصيات الكرتونية المشهورة التي كانت تتابعها، لا تمل من الرسم، فبعض الرسومات كانت تأخذ وقتاً منها تصل أحياناً لأسبوع كامل، وتواصل:"حينما كانت الرسومات في بداية تطوير الموهبة تأخذ وقتاً؛ ولا استطيع رسمها بدقة، كنت أشاهد فيديوهات الرسم على الانترنت كي استفيد منها".
ولا بد من سرٍ لدقتها في الرسم؛ ويأتي على رأسها التأني وفقاً لتأكيدها: "حينما يحب الإنسان شيئا يبدع فيه، أنا دقيقة برسوماتي وأحرص أن أخرج الملامح نفسها، لا أن يكون هناك اعوجاج بشيء ما باللوحة.
وهكذا خطت ملاك طريقها في غزة نحو طموحها بأن تكون فنانة تشارك بلوحاتها بمسابقات ومعارض، إلا أنها تقول: "رغم دعم أفراد عائلتي وأخوتي الذين يحبون الرسم ويجدونه، لكني لم أجد الاهتمام الكافي بالرسم بغزة".
ولصقل موهبتها، أحضرت معها ألواناً "بريزما كلر" من سوريا، وكما تقول، غير موجودة في غزة، وهي ألوان خشبية يستخدمها المحترفون في الرسم، وتصل سعر اللعبة الواحدة إلى 200 دولار.
"أنت ليش جاية!.. أي شيء بترسميه بيزبط معك" ..هذا ما قاله لها أستاذ دورة الرسم بالفحم، حينما انخرطت ملاك في هذه الدورة بغزة، تكمل: "كنا حينها نتدرب على رسم الشخصية بالملامح نفسها، وقمت بذلك وزدتها بتظليلها الذي كان في المراحل المتقدمة ".
سألها المدرب حينها: "هل لديكِ لوحات ؟" ..وحين قالت :"حتماً نعم" نصحها بالمشاركة في معارض؛ تعقب على ذلك: "كان كلامه شحنات طاقة أعطاني مزيداً من التشجيع نحو المواصلة والاستمرار في صقل الموهبة".
ولا يوجد لملاك جدول معين للرسم، إلا أنها لا تخفي عشقها و مداومتها على رسم لوحاتها والاحتفاظ بها، وعن سر الرسم على لوحات خشبية، تجيب بأن ذلك بهدف أن تعلقها كـــ بروازٍ تذكاري.