فعلها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وأقال وزير خارجيته ريكس تيلرسون، بعد حوالي عام ونيف من تعيينه. وقام ترامب بتعيين مدير الاستخبارات الأميركية، مايك بومبيو، خلفاً لتيلرسون الذي سيترك منصبه أواخر شهر مارس/ آذار الجاري. إقالة تيلرسون، التي أعلنها ترامب عبر حسابه على "تويتر"، لم تكن مفاجئة. بل يراها بعضهم تأخرت بعض الشيء، نظراً للخلافات المتزايدة بين الرجلين بشأن معالجة كثير من قضايا السياسة الخارجية، خصوصا ملفات كوريا الشمالية وإيران والأزمات في المنطقة العربية، خاصة الأزمة الخليجية. فضلاً عن تهكّم تيلرسون على ترامب في أحاديث خاصة مع بعض مساعديه، وكان أشهرها أنه يعتبر ترامب "شخصا أحمق"، والتي خرجت للإعلام في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
خلال الفترة التي قضاها تيلرسون وزيراً للخارجية، اتضح الفارق بينه وبين ترامب، سواء من حيث الطبيعة الدبلوماسية والتفاوضية الهادئة التي يتعاطى بها مع الأزمات الدولية، والتي لا تروق شخصا متهورا ومندفعا، مثل ترامب أو من حيث علاقاته الجيدة بكثيرين من حلفاء الولايات المتحدة. وقد حدثت خلافات عديدة بين الرجلين خلال الشهور الماضية، خصوصا في ملف كوريا الشمالية، حيث نجح تيلرسون في احتواء تبعات تصريحات ترامب الجنونية، وتهديداته بقصف بيونغ يانغ الصيف الماضي، وملف الأزمة الخليجية التي تعاطى معها ترامب أيضا بقدر كبير من الجهل والتخبط، خصوصا في بدايتها، وحاول تيلرسون تقليل آثاره الضارة بشأن الأزمة.
تعيين بومبيو وزيراً للخارجية، وهو المعروف بتعصبه وعنصريته، يعني أننا قد نشهد تغيراً في معالجة أميركا للملفات الخارجية، خصوصا ملفات الشرق الأوسط، وتحديداً ملفي إيران والأزمة الخليجية. حيث أشارت صحيفة واشنطن بوست إلى أن إقالة تيلرسون تعني قطع آخر خيوط الاعتدال في إدارة ترامب الذي "يسعى إلى إحاطة نفسه بعدد من الصقور وأصحاب الخلفية العسكرية ممن يشاطرونه أفكاره وتوجهاته ويدينون له بالولاء الكامل". بالنسبة إلى ملف إيران، يعد بومبيو من الصقور الذين يرفضون الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الدول الغربية قبل ثلاثة أعوام، ولديه تصريحات عديدة في هذا الشأن. وهو يرى أن الحل الأفضل للتعاطي مع إيران هو مزيد من العقوبات، كما يدافع عن بقاء الخيار العسكري على طاولة العلاقة مع طهران.
وفيما يتعلق بالأزمة الخليجية، لا يوجد موقف واضح لبومبيو منها، على الأقل حتى الآن، وإن كان بعضهم يربط بين إقالة تيلرسون والمساعي الإماراتية لتحقيق ذلك، من خلال علاقات مشبوهة برجال أعمال مؤثرين داخل إدارة ترامب، وتأثيرهم على صهره ومستشاره جاريد كوشنير.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه تقارير صحافية إن بومبيو يحتفظ بعلاقاتٍ جيدة مع الإمارات والسعودية، وأنه لربما ينحاز لرؤيتهما في كيفية التعاطي مع الأزمة الخليجية، إلا أنه من الصعب التأكد من الأمر حالياً، خصوصا أن كوشنير نفسه معرّض للخطر واحتمالات خروجه من إدارة ترامب تتزايد كل يوم مع توسع التحقيقات التي يجريها المحقق في مسألة التورط الروسي في الانتخابات الأميركية، روبرت موللر، والتي ربما تدين أيضا الإمارات، لدورها الغامض في الموضوع نفسه. كما أن ثمة تحسن متزايد في العلاقات بين قطر والولايات المتحدة على المستويين الاستراتيجي والاقتصادي، وهو ما قد يدفع بومبيو إلى اتخاذ موقف معتدل ومتوازن في التعاطي مع أطراف الأزمة.
وفي كل الأحوال، من السابق لأوانه معرفة توجهات بومبيو في هذا المسألة، فإن القمة الخليجية التي يجري الحديث عن عقدها في أمريكا في شهر مايو/ أيار المقبل ستكون أول اختبار حقيقي لمعرفة موقف الرجل، وتوجهاته تجاه المنطقة.