التفجير الذي استهدف موكب رئيس الوزراء رامي الحمد الله، برفقة مدير المخابرات العامة ماجد فرج، في قطاع غزّة، صباح الثلاثاء 13 آذار/ مارس، يشير إلى الدرجة التي يمكن فيها العبث بالمشهد الفلسطيني الداخلي، وإرجاع العلاقات الفلسطينية إلى الخلف. وبكلمة أخرى، كان صباحا سيئا بالتأكيد للفلسطينيين، ولقطاع غزّة على وجه الخصوص، للاحتمالات التي قد تنبني على حدث من هذا النوع، إلا في حالة واحدة، وهي التحلي بالمسؤولية التي تمنح الأولوية للعلاقات الوطنية، وتعطي الوقت للتحقيقات للكشف عن حقائق الحادث.
قبل أن تنكشف ردود الفعل العملية على الحادث، يطرح الفلسطينيون احتمالات متعددة حول الجهات التي قد تقف خلف الحادث، وهذه الاحتمالات لا تكاد تترك أحدا من الفاعلين الفلسطينيين الداخليين، فضلا عن الاحتلال الذي يُفترض أن يكون المتهم الأول دائما في تفجر الأوضاع الفلسطينية الداخلية، والسعي للفت الأنظار عن سياساته الاستيطانية في الضفة الغربية، ودفع الفلسطينيين لتصعيد داخليّ على حساب المقاومة الشعبية في الضفة الغربية.
ومع أن حركة حماس هي أحد هؤلاء الفاعلين الذين قد يُشار إليهم بالاتهام، لخصومتها مع السلطة الفلسطينية، وإمساكها بالأمن في قطاع غزّة، فإنّها في الحقيقة أكثر المتضررين من هذا الحادث، الذي من شأنه أن يُستخدم ذريعة لتوفير أغطية جديدة لسياسات الهروب من استحقاقات المصالحة، وبالتالي تعطيل مساعي حماس لتنفيس الاحتقان الداخلي في قطاع غزّة، بالإضافة إلى استخدام الحادث لتعزيز المطالبة بسحب سلاح المقاومة، أو التمكين الأمني للسلطة الفلسطينية في قطاع غزّة، على حساب الأمن الحالي، بشريّا وسياساتيّا، وعلى أيّ حال، فالأمن في قطاع غزّة، هو أهم إنجازات حماس التي تفتخر بها.
هذا لا ينفي مسؤولية حماس الإدارية والسياسية، من جهة مسؤوليتها عن الأمن في قطاع غزّة، ومع أن الخرق قد يحدث في بيئات أكثر استقرارا وتقدّما، فإنّه يظل فشلا أمنيّا أيّا كان الفاعل والمستفيد. فبصرف النظر عن التوظيف السياسي الآن، وَجَّهَ استهداف موكب رئيس الوزراء ضربة أمنية مباشرة لحركة حماس، بحكم إمساكها بالأمن في قطاع غزّة، وهو ما يحيل إلى عمليات خطيرة جرت في الآونة الأخيرة في القطاع، والتي منها اغتيال الشهيد مازن فقها، ومحاولة اغتيال توفيق أبو نعيم، مدير أمن قطاع غزّة. وجملة الحوادث هذه، لو ثبت أن بينها أدنى رابط، فلا شكّ أن المستهدف منها هو حركة حماس وإدارتها لقطاع غزّة، خاصة في شقها الأمني.
هذه الحيثيات السياسية والأمنية تبعد احتمال مسؤولية حماس عن الحادث إلى الخلف، هذا بالإضافة إلى البدائية التي اتسمت بها العملية. فالتفجير، كما بينت الصور، وبعيدا عن الإثارة المتعمدة لبعض الوكالات والمواقع الإخبارية، هو تفجير بدائي، أو أريد له أن يكون كذلك. بمعنى أنّ منفذيه إما أن يكونوا هواة، وهو ما ينفي بالتأكيد المسؤولية التنظيمية عن حركة حماس، إذ هي تمتلك أجهزة عسكرية وأمنية محترفة، أو أن يكون المنفذون قد أرادوه بسيطا، بلا أضرار مادية مع إحداث أكبر قدر ممكن التأثير السياسي، أو أنهم أرادوا تبليغ رسالة معينة، وبالنظر إلى الضرر الواقع على حركة حماس وصورتها فمن المستبعد أن تقف خلفه.
تظل جملة الاحتمالات الأخرى التي يطرحها الفلسطينيون، كأن يكون الفاعل مرتبطا بالاحتلال، للأهداف المذكورة في مطلع هذه المقالة، ولتحقيق هذه الأهداف لا يلزم الذهاب إلى أقصى حدّ من إحداث الأضرار، بل يكفي ما حدث، أو أن يكون الفاعل من قوى سلفية جهادية لها سوابق في استهداف ساحة قطاع غزّة، أو أن تكون السلطة نفسها هي الفاعل هربا من استحقاقات المصالحة، أو لتعزيز دعايتها ضد إمساك حماس بالقطاع أمنيّا، أو لتعزيز موقفها عموما في خصومتها مع حماس، أو أن يكون الفاعل بعض عناصر تيار النائب محمد دحلان، أو بعض الأفراد المتضررين من سياسات السلطة تجاه قطاع غزّة.
هذه كلها احتمالات يطرحها الجمهور الفلسطيني اليوم، والنتيجة أن العملية وإن استهدفت من جهة الشكل موكب رئيس الوزراء، فإنّها استهدفت من جهة المقاصد والنوايا قطاع غزّة خصوصا، والحالة الفلسطينية عموما، وباستثناء الاحتلال الذي يملك دائما المصلحة في الفتنة بين الفلسطينيين، فإنّ الفاعل، في حال كان طرفًا داخليًّا فإنّه لا يملك أي قدر من المسؤولية الوطنية، وعلى أمل أن هذا الفاعل ليس من الطرفين الكبيرين حماس وفتح، فالمرجو من هذين الطرفين التصرف بمسؤولية بالغة، إلى حين إمساك حماس بالفاعلين كما هو مطلوب منها.