في الوقت الذي تقلص فيه أمريكا مساعداتها المالية للأونروا التي تقدم جل خدماتها لسكان قطاع غزة، تحرص أمريكا على عقد مؤتمر في واشنطن، بهدف تخفف معاناة سكان قطاع غزة!
وفي الوقت الذي تمتنع فيه السلطة الفلسطينية عن المشاركة في مؤتمر واشنطن، بحجة أن مأساة غزة سياسية وليست إنسانية، وتدعو لفك الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، تقوم السلطة نفسها بقطع رواتب الموظفين، وتشديد العقوبات ضد سكان قطاع غزة!
ما هذه المفارقات العجيبة؟ فكيف تنادي السلطة بفك الحصار عن غزة لتعاقب هي أهل غزة؟ وكيف تدعو أمريكا لمؤتمر من أجل غزة، وهي التي تشجع الصهاينة لمحاصرة غزة، وهي التي طالبت السلطة بمعاقبة أهل غزة، وتشديد الحصار على سكانها؟
مؤتمر واشنطن الذي جاء متمماً لمؤتمر بروكسل الذي عقد قبل فترة في بلجيكا، وبطلب إسرائيلي، وبهدف تخفيف المعاناة عن سكان قطاع غزة، مؤتمر واشنطن هذا الذي شاركت فيه سبع دول عربية بالإضافة إلى ممثل دولة الاحتلال الإسرائيلي، هو المقدمة لصفقة العصر التي تقوم على التطبيع مع الدول العربية كمقدمة لحل القضية الفلسطينية، خلافاً للسياسة الإسرائيلية السابقة التي كانت تنادي بحل القضية الفلسطينية كمقدمة للتطبيع مع الدول العربية.
وتحت بند مساعدة سكان قطاع غزة، وبهدف تحسين الكهرباء الواصل لسكان قطاع غزة، وتحسين أحوال المياه الملوثة، وتحسين الوضع الصحي، التقى على طاولة واحدة ممثل عمان وقطر والإمارات والسعودية والبحرين والكويت ومصر والأردن، التقى العرب الذين لا يلتقون مع بعضهم البعض، ويختلفون فيما بينهم، التقوا جميعهم على طاولة واحدة مع ممثل الصهاينة يوآف مردخاي، بهدف ظاهري يدعو إلى مسح الدموع عن رغيف الخبز المقدم لقطاع غزة، وبهدف سياسي يقوم على محاربة حركة حماس، والتضييق على المقاومة، وتدجين غزة من خلال أموال المساعدات التي سيتبرع بها العرب أنفسهم بعد أسبوع في لقاء بروكسل الذي سيعقد بعد أسبوع، بهدف جمع الأموال، وتنفيذ المشاريع، وتقديم المساعدات بعيداً عن حركة حماس، وبعيداً عن السلطة الفلسطينية التي استنكفت عن الحضور لأهداف ستتضح معالمها لاحقاً.
لقد تمثلت المحصلة النهائية لمؤتمر واشنطن في الدعوة لتقديم المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة بعيداً عن أعداء (إسرائيل)، وبهدف عدم انفجار الأوضاع المأساوية لسكان قطاع غزة في وجه (إسرائيل)، التي أيقنت أن أهل غزة لن يثوروا ضد المقاومة، ولن يتفجر غضبهم إلا ضد مغتصب أرضهم، لذلك حرص المؤتمر على وضع مصالح كل من مصر و(إسرائيل) والسلطة الفلسطينية في سلة واحدة، لتغدو المقاومة الفلسطينية هي العدو الأول لكل من مصر و(إسرائيل) والسلطة الفلسطينية، كما تحدث بذلك المبعوث الأمريكي جرينبلات الذي قال: إنّ الولايات المُتحدّة لن تسمح لحماس باستنساخ تجربة حزب الله في لبنان، لأنّ من شأن ذلك أنْ يكون سلبيًا جدًا على المصالح الإسرائيليّة، والمصريّة، وأيضًا مصالح السلطة الفلسطينيّة، مُشيرًا في الوقت عينه إلى أنّ المجتمع الدوليّ يجب أنْ يفحص المبادرات بشكلٍ يمنع حماس من استغلال الأموال لتطوير ترسانتها العسكريّة.
مؤتمر واشنطن يمثل بداية المشروع الأمريكي الإسرائيلي القائم على تصفية القضية الفلسطينية، وذلك من خلال الفصل الأكيد بين مصالح سكان غزة ومصالح سكان الضفة الغربية، ومن خلال الحلول الإنسانية لمشاكل قطاع غزة بعيداً عن الحل السياسي المباشر للقضية الفلسطينية، ومن خلال التطبيع مع الدول العربية على حساب القضية الفلسطينية، ومن خلال توريط مصر العربية في مشاكل قطاع غزة، والبحث عن حلول إنسانية وجغرافية بعيداً عن الأرض الفلسطينية.
مؤتمر واشنطن لمساعدة سكان قطاع غزة ما كان ليجد مبرراً للانعقاد لولا الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة من جهة، ولولا العقوبات المفروضة على سكان قطاع غزة من جهة أخرى.