فلسطين أون لاين

العمال الفلسطينيون.. بطالة بالآلاف والحكومةُ في "خبر كان"!

...
غزة - يحيى اليعقوبي


دفعت الظروف الصعبة التي يعيشها قطاع غزة نافذ أبو كميل الذي يملك شركة للباطون والتجارة والصناعة بمحافظة الوسطى لتسريح 10 من عماله والإبقاء على خمسة آخرين نتيجة ضعف الإقبال على مشاريع البناء.

الظروف المتفاقمة بسبب الحصار الإسرائيلي من جهة، والعقوبات التي تفرضها السلطة على قطاع غزة من جهة أخرى، زادت معاناة أبو كميل سوءًا وتدهورًا، وخاصة بعد اتفاق المصالحة الفلسطينية في 12 أكتوبر/ تشرين أول الماضي بسبب عدم قيام حكومة الحمد الله بالتزاماتها.

أبو كميل واحد من بين مئات أصحاب المصانع التي اضطرت لتسريح آلاف العمال منذ خمسة أشهر ماضية، فيما تقدر نقابات العمال عدد الذين جرى تسريحهم منذ الاتفاق بنحو 27 ألف عامل، يضافوا إلى نحو ربع مليون عامل عاطل عن العمل من قبل.

ويقول أبو كميل لصحيفة "فلسطين": "إن وضع العمال صعب، وكذلك وضع صاحب المنشأة الذي لا يستطيع تحمل الضغوط الكبيرة (..) فلا يوجد تسويق، ونبيع بضاعتنا بخسارة مستمرة"، لافتاً إلى أنه قبل اتفاق المصالحة كان يشغل 15 عاملاً أما الآن فعدد العمال لديه خمسة.

الحال مختلف لدى صاحب مصنع الباطون ناصر أبو كرش الذي يعمل لديه 25 عاملا، لكنه لم يقم بتسريحهم، بل قام بتوزيع الأزمة على الجميع وجدولة أيام العمل، بحيث يحصل كل عامل منهم على فرصة للعمل معه لمدة أربعة أيام في الأسبوع؛ لتخفيض المصروفات.

ويقول أبو كرش لصحيفة "فلسطين": "إن الظروف اختلفت وأصبحت صعبة، العامل اليوم لا يستطيع تحصيل أجرة مواصلاته، لذلك قمنا بجدولة العمل، حتى أن أجرة العامل انخفضت إلى النصف، لأن هناك عرضاً كبيراً وطلباً متدنيا".

وأضاف أن الشركات تضطر لتسريح عمالها، نظرا لتعرضها لخسائر، واستمرار المصاريف التشغيلية دون إنتاج، وهذا ما يضاعف خسارتنا".

"الأشهر الثلاثة الأولى منذ اتفاق المصالحة الأخير لم أستطع إدخال أي عائد مادي لأعيل أسرتي، أما في الشهرين الأخيرين بالكاد أستطيع إيجاد فرصة عمل بمجال البناء يوم أو ثلاثة أيام في الشهر".. هكذا يقول العامل رفيق الفرا (49 عاما) من محافظة خان يونس لصحيفة "فلسطين".

الفرا الذي يعيل أسرة مكونة من أربعة أفراد، وصف قطاع الإنشاءات والبناء بأنه يعاني من موت سريري، مضيفا "في السابق كنا نجد فرص عمل حينما كانت المشاريع الدولية مستمرة، فكان العمال يعملون وكذلك المقاولون، أما اليوم فالعمال بلا عمل وهناك من المقاولين من أعلنوا إفلاسهم".

الأكثر تضرراً

رئيس اتحاد نقابات العمال في قطاع غزة سامي العمصي، بين أن أوضاع العمال صعبة بشكل عام، ولكنها ازادت سوءاً منذ فرض السلطة لعقوباتها على غزة بشهر إبريل/ نيسان الماضي، لافتا إلى أن نحو 27 ألف عامل انضموا لصفوف البطالة خلال الربع الأخير من العام الماضي في ظل اتفاق المصالحة.

ويقول العمصي لصحيفة "فلسطين"، إنه قبل اتفاق المصالحة كان يسمح بدخول الإسمنت ومواد البناء من الجانب المصري، لكن الحكومة وبعد اتفاق المصالحة في 12 أكتوبر/ تشرين أول الماضي أوقفت ذلك مما انعكس سلبا على العامل الفلسطيني.

وأضاف أن نحو 250 ألف عامل عاطلون عن العمل في قطاع غزة، وأن نسبة البطالة وصلت إلى 50%، متوقعا زيادة هذه النسبة هذا العام إن بقيت الأمور على حالها.

ولم يفلت عمال النظافة كذلك، بحسب نقيب العمال، من هذه الأزمة، فقبل الاتفاق كانت رواتبهم شبه مستقرة، إلا أنه ومنذ 5 أشهر، في ظل حكومة الوفاق، لم يستلموا أجورهم نتيجة عدم قيام وزارة الصحة برام الله بتحويل مستحقات شركات النظافة.

وبخصوص مصير سنوات الخدمة التي قضاها العمال في أعمالهم، يرى العمصي أن الوضع الاقتصادي العام الذي يمر به القطاع ككل يجعل العامل يتردد بالمطالبة بحقوقه عن سنوات الخدمة التي قضاها في العمل نتيجة أوضاع الشركات والورش والمصانع الصعبة، على أمل أن تتحسن الأوضاع.

لكن ما يهدد هذه الحقوق، كما تابع، هو قانون تقادم "الحقوق العمالية " الذي أقر خلال الفترة الأخيرة السابقة ولم يجر تعديله، موضحاً أن هذا القانون ينعكس سلبا على العامل، حيث ينص على أنه خلال عام من تاريخ ترك العامل العمل، إذا لم يتقدم بطلب لدى المحاكم للمطالبة بحقوقه فإن تلك الحقوق ستنتهي.

وحول دور وزير العمل مأمون أبو شهلا في التعامل مع واقع العمال، ينتقد العمصي الوزير بقوله: "لا نعرف إذا كان وزيرا للعمل أم وزيرا لرجال الأعمال، لأننا لا نشعر أنه يمثل العمال ولا يمكن أن يكون همه العامل الفلسطيني" حسب تعبيره.

وأكد أن "العامل الفلسطيني الأكثر تضررا نتيجة عقوبات السلطة التي أدت إلى تآكل القدرة الشرائية لدى الموظفين والمواطنين، كما أنه الأكثر تأثرا بأزمة الكهرباء نظرا لتوقف الكثير من الورش والمصانع بكافة المجالات عن العمل".

توقف الشركات

من ناحيته، بين أمين سر اتحاد الصناعات الإنشائية محمد العصار، أن واقع العمال والاقتصاد بشكل عام يمر بمرحلة غير مسبوقة منذ بدء الحصار على قطاع غزة، مرجحا أن نسبة 90% من المصانع في القطاع سرحت نحو 70% من عمالها، وأن نسبة 30% المتبقية يعملون بشكل يومي حسب الطلب.

ويقول العصار لصحيفة "فلسطين": "إن استمرار الحصار والخصومات التي تفرضها السلطة على موظفيها بغزة والتي وصلت إلى 50% زادت الأوضاع سوءاً، خاصة مع استمرار العقوبات".

والضرر الأكبر الذي تسبب بتوقف المصانع وتسريح العمال، وفق أمين السر، هو انعدام السيولة النقدية من السوق نتيجة العقوبات وخصومات البنوك التي تشارك في أزمة السيولة، في ظل عدم ضخ أموال لغزة.

مدير عام الإدارة العامة لعلاقات العمل بوزارة العمل رفيق أبو الجبين بين أن هناك مشاكل مختلفة يعاني منها العمال اليوم أولها الحصار وزيادة نسب البطالة، وعدم العمل بقرار تحديد الأجور الذي يجري العمل به في الضفة الغربية دون غزة.

وشدد أبو الجبين خلال حديثه لصحيفة "فلسطين" على أن أموال برامج التشغيل المؤقت التي تنظمها مؤسسات مختلفة تذهب في مهب الريح، مطالبا بتغيير هذه البرامج وتنظيم مشاريع صغيرة يستفيد منها العمال وتكون مرجعيتها لسوق العمل وتشغيل عجلة الإنتاج الفلسطيني.

ونبه إلى أنه "قبل مجيء الحكومة وقبل عام 2014 كانت الوزارة بغزة تنفذ مشاريع تشغيل على مدار العام، فكان هناك حراك مستمر في هذا المجال، لكن في ظل الحكومة الحالية لا يوجد حراك لتشغيل العمال".