فلسطين أون لاين

​الصراع الفكري المستورد

لكل أمة من الأمم أفكارها الخاصة التي تنشأ من قيمها وبيئتها التي تعيش فيها، وتكون أفكارها تعبيراً واضحاً عن حالة الأمة من ناحية التقدم والتأخر الحضاري، فإذا كانت الأفكار تدفع الإنسان إلى تحقيق تقدمه الحضاري فهي أفكار صالحة، أما إذا فعلت العكس فهي أفكار فاسدة.


وليس أخطر على الأمة أن تستورد أفكار غيرها التي نشأت في بيئة وخصائص مختلفة تماماً عنها، فتلك الطامة الكبرى التي لا تنجو منها الأمة أبداً إلا بالتخلص من الأفكار المستوردة، واستبدالها بأفكارها الخاصة الناشئة من قيمها وخصائصها وبيئتها التي تعيش فيها.


ولقد بلينا في العالم الإسلامي والعربي بهذه المصيبة، التي شلت قدراتنا ودمرت هويتنا الذاتية وأصبحنا نستورد من الغرب أي فكرة، مهما كانت الفكرة سطحية أو ساذجة أو تتعارض من قيمنا وخصائصنا التي نتميز بها عن الغرب، وما العلمانية والرأسمالية والاشتراكية والقومية وغيرها من النماذج الفكرية المستوردة من الغرب إلا تعبيراً عن قيم وخصائص الغربي ولا تمس بأي صلة إلى قيم وخصائص الإنسان الشرقي الذي يختلف تمام الاختلاف عن الإنسان الغربي.


ونأخذ مثالا لذلك العلمانية التي نشأت كنتيجة لسيطرة الكنيسة عن كل شؤون الحياة الأوروبية، ومنعها لأي اجتهاد علمي يخالف تصوراتها المنحرفة عن الحياة والكون والعلم، وما كان للكنيسة من دور هائل في الفساد المستشري في أرجاء أوروبا ودعمها المطلق للحكام والمستبدين، ومحاربتها لأي فكرة تخالف أفكارها ومعتقداتها، ونتيجة لهذا الظلم البين والفساد المستشري ظهرت العلمانية للتخلص من سيطرة الكنيسة على الحياة الأوروبية ومنع أوروبا من تحقيق التقدم والنهضة في مختلف شؤون الحياة.


وعلى العكس من ذلك كانت الحالة في العالم الإسلامي، فالسبب الرئيسي للنهضة والحضارة الإسلامية هو الإسلام وليس هناك من يختلف على ذلك، فالكل متفق أن العرب قبل الإسلام لم تكن لديهم أي حضارة بل هم مجموعة من الرعاة البسطاء الذين يتقاتلون على أتفه الأشياء وأبسطها، وجاء الإسلام ليجعل منهم أمة عظيمة الشأن تقود الحضارة الإنسانية لأكثر من ثمانية قرون، وما التخلف الذي نراه اليوم إلا نتيجة للبعد عن الفهم الحقيقي للإسلام، واستيراد النماذج الفكرية الغربية التي لا تصلح لنا بأي حال من الأحوال.


نحن نحتاج إلى نماذج فكرية نابعة من الإسلام وليست عدوة له، والعمل على تنقية الموروثات الفكرية والثقافية الهائلة للحضارة الإسلامية فنأخذ منها الصالح ونترك الطالح، ولا تتحقق نهضة لهذه الأمة إلا بالنماذج الفكرية المنطلقة من الإسلام وليست المنطلقة من التفكير الغربي الذي يختلف اختلافاً كاملاً عن التفكير الشرقي.