فلسطين أون لاين

احتضان الدب أم تهويد الضفة؟

تفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلية سيطرتها على أراضي الضفة الغربية، وتتوغل فيها كالسرطان بوتيرة متسارعة، ودونما رجوعٍ أو تردد، فهي التي ترى نفسها فوق القانون بدعمٍ وموافقة من الإدارة الامريكية، فمن جديد، صادقت الحكومة الإسرائيلية على بناء 98 وحدة استيطانية من أصل 300 وحدة يتم العمل على إنشائها بالتدريج.


كما أقر وزير الحرب في حكومة الاحتلال أفيغدور ليبرمان، خطة جديدة لتوسيع البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، من ضمنها مناقصات تسويق أراض لبناء 900 وحدة استيطانية جديدة لتوسعة مستوطنة أرائيل، المقامة على أراضي سلفيت.


وذكرت القناة العاشرة العبرية، في تقرير بثته ليل الخميس الجمعة، أنه بالإضافة إلى هذه الوحدات الاستيطانية الجديدة في مستوطنة "آرئيل"، فإنه من المنتظر أن يقر الأسبوع المقبل، بناء 225 وحدة استيطانية إضافية في مستوطنات مختلفة، وكذلك اقرار مخططات لاحقه لبناء نحو 1145 وحدة استيطانية جديدة في مختلف مستوطنات الضفة المحتلة.


وأوضحت القناة العبرية، أن هذه الوحدات الاستيطانية الجديدة الـ 225 ستوزع على المستوطنات وفق النحو الآتي: 55 وحدة في "بتسال"، و9 وحدات في "أريئيل"، و79 وحدة في "حيننيت"، و8 وحدات في "بيت أرييه"، و44 وحدة في "معاليه أدوميم"، و30 وحدة في "سوسيا".


وأضافت: فيما يتعلق بالتخطيط اللاحق لبناء 1145 وحدة استيطانية إضافية، فسيكون توزيعها على الشكل التالي: 27 وحدة في "معون"، و381 وحدة في "كفار أدوميم"، و11 وحدة في "اليعزر"، و16 وحدة في "بتساد"، و120 وحدة في "كرميه تسور"، و66 وحدة في مستوطنة "إفرات"، و72 وحدة في "تسوفيم"، و212 وحدة في "أورانيت"، و196 وحدة في "غفعات زيئيف".


إن هذه الهجمة الاستيطانية من قبل سلطات الاحتلال وقد فتحت شهيتها لتعلن عن نيتها ضم ليس المستوطنات فقط بل إن "الكنيست" أعطاها الضوء الأخضر بمصداقته على قانون ضم الضفة تحت ذرائع وحجج أمنية وسياسية لا صحة لها مثل حملة ما بات يعرف ب "احتضان الدب"، والحقيقة أن ثمة أسباباً أساسية وراء هذا التهويد في الضفة الغربية، والذي لم يعد تواجد الاحتلال فيها مجرد استيطان وبناء وتعمير وزراعة، إنما تهويد كامل بمعنى الكلمة.

إن هدف سلطات الاحتلال من هذه الحملة ليس جمع المعلومات عن الدب أو البحث عنه في كل أنحاء الضفة فهي تصول وتجول فيها كيفما أرادت وتعرف كل صغيرة وكبيرة فيها ولا يخفى عنها خافية، لأنها لا تزال واقعة في قبضتها وتحتلها منذ عام 67 ولا تزال، لكن في نفس الوقت لم تغفل عينيها عنها، فهي تضع خططا ممنهجة ومنظمة هدفها الرئيس السيطرة على الضفة الغربية سيطرة كاملة وليست جزئية بحيث تكون أرضاً لليهود مستقبلاً، من خلال تشييد تلك المستوطنات فإن (إسرائيل) تسعى لإنشاء مراكز اقتصادية تستقطب من خلالِها العمال الفلسطينيين وتستغل حاجتهم الاقتصادية وعدم توفر مصادر دخل لهم، ليصبح مصدر رزقهم هو المستوطنات ومن ثم تصبح المستوطنات مطلباً فلسطينياً وليس الدولة.


إن ظاهرة الاستيطان سياسة متأصلة في قادة الاحتلال لنزع الارض الفلسطينية شيئا فشيئا حتى تصبح ملكا خالصا لليهود ولو بعد حين، فلو نظرنا الى الخلف قليلا سنجد هذا الفعل نفسه حدث في الجليل شمال فلسطين، حيث في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات كان الانتشار الواسع والكبير للتجمعات الفلسطينية والسورية واللبنانية وليس للإسرائيليين، وعند زيارة «جولدا مائير» للمنطقة والتي كانت حينها (رئيسة وزراء إسرائيل) قالت: أنا لا أشعر أنني في (إسرائيل)، يجب تهويد الجليل.


وحدث بالفعل ما أمرت به إذ تمت مصادرة الأراضي مباشرة خاصة في منطقة سخنين وعُرابة وغيرها، وأمرت ببناء المستوطنات وجعلت الجليل مركزاً اقتصادياً يستقطب العمال الفلسطينيين، حتى تغيرت معالم المنطقة وبات من يدخلها يشعر بوضوح أنه في (إسرائيل).


تماما فما حدث في الجليل قبل 50 عاما يحدث اليوم في الضفة الغربية، فحين يسير الفلسطيني من نابلس إلى قلقيلية أو من بيت لحم إلى الخليل، سيشعر بالغربة على الطريق لأن كل ما في الطريق من سيارات ولافتات وأشخاص سيكون إسرائيليّاً والعنصر الفلسطيني سيكون أقلية.


لعل السبب الآخر لتهويد الضفة والذي لا يقل أهمية عن سابقه هو سبب أيديلوجي ديني يتمثل في أن (إسرائيل) المقدسة هي يهودا والسامرة.


ينظر المحتلّ الإسرائيليّ إلى أن الجيد منهم هو من اليهوديّ الذي يرحل من "تل أبيب" وحيفا وغيرها ويسكن في الضفة، في حين أن ما يقارب 25 % من اليهود متدينون، وهؤلاء يستحيل التعايش معهم، لأنهم يحفظون ويطبقون النص التوراتي في كتابهم، والذي يدعو فيه اليهودَ إلى طرد الأنجاس– حسب إدعائهم- من ديارهم، على اعتبار أن كل الغرباء أنجاس ما لم يكونوا يهوداً، وأن الله يأمرهم بقتلهم أو استعبادهم أو تهجيرهم.


إننا أمام مخطط كبير يسعى إليه الاحتلال لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه وتصفيته والاستيلاء على كامل فلسطين من البحر إلى النهر ومن رأس الناقورة إلى رفح لإقامة (إسرائيل الكبرى)، فما يدعيه الاحتلال أنه يبحث عن الدب هو أكذوبة صنعها للتضليل والتغطية على ما يسعى إليه من مخططات استيطانية تهويدية وتهجير الشعب الفلسطيني، فإذا أراد الاحتلال البحث عن الدب فليذهب إلى موطنه القطب الشمالي أو ألاسكا وسيبيريا حيث المساحات الشاسعة والفارغة من السكان، أما فلسطين فلا يوجد فيها إلا شعبها الصامد والذي يرفض التنازل عن أرضه وأملاك أبنائه وأجداده.