سينعقد في روما مؤتمر المانحين لسد العجز الذي نتج عن القرار الأمريكي خفض مساهمة واشنطن في ميزانية "الأونروا"، في 15 آذار/مارس 2018، وأعلن نائب السفير السويدي في الأمم المتحدة كارل سكاو في 27/2/2018 بأن المؤتمر سينعقد برعاية السويد والأردن ومصر، وسيحضره الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش ووزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني.
أهمية الرعاية "الثلاثية" للمؤتمر وتمثيل الحضور يكمن في أن دولة السويد أحد أعضاء اللجنة الاستشارية لـ"أونروا" التي انضمت إليها في العام 2005 وهي من الدول المانحة للوكالة، وأن الأردن يمثل أحد مناطق عمليات "أونروا" الخمسة إذ يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين (2,286,643 لاجئ حسب أحدث إحصاء للوكالة في كانون الثاني/يناير 2017)، وأن مصر هي من يترأس حالياً اللجنة الاستشارية للوكالة التي تضم 27 دولة بالإضافة إلى ثلاثة أعضاء مراقبين (الاتحاد الأوروبي ودولة فلسطين وجامعة الدول العربية)، أما أهمية حضور الأمين العام للأمم المتحدة، فيعيدنا إلى تاريخ السابع من نيسان/إبريل 2017 والتقرير الذي أصدره غوتيريش ووصفته "أونروا" بأنه تاريخي - وهو كذلك - بإشادته بدور الوكالة "الذي لا غنى عنه في الشرق الأوسط" وبِحثِّه جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على دعم وكالة "أونروا" بجعل تمويل الوكالة "مستداماً وقابلاً للتنبؤ وكافياً".
بتاريخ الرابع من شهر آب/أوغسطس 2017 وجه نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة الإسرائيلي داني دانون صفعة سياسية ودبلوماسية لرأس الدبلوماسية الأممية عندما شطب البند المتعلق بزيادة ميزانية "أونروا" - مقترح غوتيريش - من جدول أعمال الجمعية العامة الذي يتحكم فيه وفق صلاحياته، وكان من المتوقع أن يحظى البند بالموافقة والاعتماد من غالبية الدول الأعضاء، مما مهد لاشتباك سياسي دبلوماسي بين الأمانة العامة وغالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مع الكيان الإسرائيلي ومن خلفه الإدارة الأمريكية، خاصة أن شطب دانون للبند جاء بعد مطالبة نتنياهو لسفيرة أمريكا في الأمم المتحدة نيكي هيلي أثناء زيارتها القدس في تموز/يوليو 2017 بالعمل على تفكيك وكالة "أونروا" ونقل خدماتها إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
تأتي مشاركة الاتحاد الأوروبي في مؤتمر روما كوْن الاتحاد يُعتبر ثاني أكبر مساهم في ميزانية "أونروا" بعد الولايات المتحدة الأمريكية. وفي خطوة مهمة ورداً على القرار الأمريكي بتجميد مبلغ 65 مليون دولار كان من المقرر دفعها في بداية العام 2018 للأونروا، عُقد لقاءاً ثنائياً بتاريخ 27/2/2018 بين المفوض العام لـ"أونروا" بيير كرينبول والمفوض الأوروبي لسياسة الجوار ومفاوضات التوسع يوهانيس هان أكدا فيه على الالتزام القوي في خدمة اللاجئين الفلسطينيين وبأن الطرفين يعقدان حواراً استراتيجياً حول سبل المضي قدماً في شراكتهما وقال هانسن "نحن نشدد على حاجة أونروا بأن تستمر في تقديم خدماتها. هذه ليست ضرورة إنسانية فقط، لكنه أيضاً أمر حاسم للاستقرار في الشرق الأوسط"، وتوافق الطرفان على البحث في فرص كسب التأييد المشتركة من أجل تسليط الضوء على محنة اللاجئين الفلسطينيين على المستوى العالمي. وفي خطوة عملية بادر الاتحاد كما جاء في البيان المشترك بين الطرفين في 27/2/2018 ونشره موقع "الأونروا" الرسمي على الإنترنت بتسريع صرف تبرعات الاتحاد لموازنة "الأونروا" البرامجية للعام 2018 وأعلن عن التزامه بالمحافظة على المستوى الحالي من الدعم حتى عام 2020.
بات الاتحاد الأوروبي ينظر إلى أن مصالح واشنطن السياسية التي تنسجم مع الرؤية الإسرائيلية بالتخلص من عبء قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة وإلغاء هذا الملف من التداول على طاولة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية التي يجري التحضير لها في المستقبل تماشياً مع ما يسمى بـ "صفقة القرن"، وأن استهداف "أونروا" هو الخطوة التمهيدية الأولى، أصبح هو الأولوية، ولو أدى الحفاظ على تلك المصالح إلى الفوضى الأمنية في المنطقة وغيرها والتي ستطال مصالح دول الاتحاد الأوروبي نفسه، ولهذا ليس من الغريب أن يظهر على السطح معسكرين متواجهين سياسياً ودبلوماسياً، المعسكر الأول الاتحاد الأوروبي ومعه غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الذي ينظر إلى وكالة "الأونروا" إلى أنها ضرورة إنسانية وعنصر استقرار في المنطقة، والمعسكر الثاني الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي الذي ينظر إلى "الأونروا" على أنها العقبة أمام مشروع التسوية، لذلك من المتوقع أن تكون هناك محاولات صهيو أمريكية لإفشال المؤتمر.
المطلوب الآن أن يصل صوت اللاجئين الفلسطينيين وتمسكهم بـ "أونروا" وحق العودة إلى المشاركين في المؤتمر الذي من المفترض أن يعمل على إنقاذ ميزانية الوكالة، ويوجه رسالة إلى الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي، وهذا يتحقق بحراك سياسي وشعبي فلسطيني ومعهم المتضامنون على مستوى الدول المضيفة للاجئين وغيرها..، وحراك خاص في روما بالتظاهر السلمي وإقامة اعتصام أمام مقر انعقاد المؤتمر يشارك فيه مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في إيطاليا ومعهم أصدقاء الشعب الفلسطيني وتوجيه رسائل ومذكرات.