يبيت الغزيون ويستيقظون على أمل إنهاء الحصار المفروض منذ 11 سنة عليهم، وبينما تنقل لهم وسائل الإعلام نبأ توجه وزراء من الحكومة برئاسة رامي الحمد الله إلى قطاع غزة، فإنهم يتساءلون على أرض الواقع، عما إذا كانت الحكومة ستتولى مهامها؟ وما إذا كانت الإجراءات التي اتخذتها السلطة منذ مارس/ آذار الماضي بحق القطاع، ومسّت مجالات حيوية كالصحة، قد انتهت، أم أن لها فصولا أخرى من المعاناة ستخيّم على حياتهم؟
وتخصم السلطة منذ مارس/آذار الماضي ما يتراوح بين 30% و40% من رواتب موظفيها في القطاع دون الضفة الغربية، في ظل تفاقم أزمة الكهرباء، ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية، والوقود، وشبح الإضرابات المتكررة لشركات النظافة في المستشفيات.
وترفض حكومة الحمد الله منذ تشكيلها في 2014، صرف رواتب الموظفين الذين عينتهم الحكومة الفلسطينية السابقة برئاسة إسماعيل هنية في القطاع.
واتخذ رئيس السلطة محمود عباس اللجنة الإدارية المنحلة -التي كان المجلس التشريعي صادق عليها في مارس/آذار الماضي، "لسد الفراغ" الناجم عن عدم قيام حكومة الحمد الله بمهامها في القطاع- ذريعة لإجراءات وصفها بأنها غير مسبوقة بحق غزة، طالت مناحي الحياة الأساسية، كالكهرباء والصحة. ولم يلغِ عباس هذه الإجراءات على الرغم من حل اللجنة الإدارية.
ولطالما أبدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" استعدادها لحل تلك اللجنة على أن تقوم الحكومة بواجباتها في القطاع، قبل أن تعلن في 17 سبتمبر/أيلول الماضي، حلّها "استجابة للجهود المصرية، بقيادة جهاز المخابرات العامة المصرية والتي جاءت تعبيرا عن الحرص المصري على تحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام". ودعت حماس في بيان لها، حكومة الحمد الله إلى للقدوم إلى قطاع غزة؛ لممارسة مهامها والقيام بواجباتها فورا.
وفي الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2017، وصل الحمد الله قطاع غزة للمرة الثالثة فقط منذ تشكيل الحكومة، ورافقه وزراء حكومته ومسؤولون أمنيون لتسلم مهام الحكومة هناك، بحضور وفد أمني مصري.
وأنهت الحكومة أول اجتماع لها في غزة في الثالث من نفس الشهر، دون التوصل لنتائج ملموسة، وسط تحفُّظ الفصائل إزاء قرار الأولى تأجيل رفع العقوبات عن القطاع إلى ما بعد اجتماع كان مقررا في القاهرة.
وآنذاك، قالت حماس إنه كان من المفترض أن تتخذ الحكومة خلال اجتماعها قرارات مسؤولة وفورية تلامس معاناة الشعب الفلسطيني في غزة وقضاياه الإنسانية.
وكان الحمد الله وصل القطاع كرئيس للحكومة لأول مرة في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2014، وكانت الزيارة الثانية في 25 مارس/آذار 2015.
واعتبرت حماس في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، دعوة حكومة الحمد الله "الموظفين المستنكفين" للعودة إلى أماكن عملهم وتكليف الوزراء بترتيب هذا الموضوع مخالفة لاتفاق القاهرة الموقع في الرابع من مايو/أيار 2011، وتجاوزا لمهام اللجنة الإدارية والقانونية المتفق عليها والتي تنص على أن عودة الموظفين الذين كانوا على رأس عملهم قبل 14 يونيو/حزيران 2007 يكون وفق الآلية التي توصي بها اللجنة المشكلة.
إنهاء معاناة الشعب
وفي الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2017، أكدت حماس أن الحكومة تسلمت كل مسؤولياتها في الوزارات بشكل كامل في قطاع غزة "واستمرت بفرض العقوبات الظالمة على أهلنا وفشلت فشلاً ذريعًا في مسار إنهاء الانقسام وتطبيق الاتفاقات المعقودة في القاهرة"، كما قالت الحركة في بيان، إن الحكومة عجزت عن حماية الفلسطينيين في الضفة الغربية ولم تتخذ القرارات المناسبة في مواجهة الاستيطان، وتهويد القدس، وهو ما أكدت عليه مجدداً في التاسع من ديسمبر/كانون الأول الماضي "حتى يتفرغ الجميع لمواجهة الاحتلال والوقوف بقوة أمام قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي تستهدف القدس المحتلة".
ومنذ 27 ديسمبر/كانون الأول 2017، وحتى 13 فبراير/ شباط الجاري، صدرت عدة مواقف لحماس تحمل فيها رئيس السلطة وحكومته مسؤولية الكاملة عن الأزمات التي تمر بها غزة بشكل جعل معظم قطاعات الحياة "على شفا الانهيار".
وفيما قال رئيس الحكومة في 19 فبراير/شباط الماضي، إن موازنة عام 2018 تشتمل على محافظات قطاع غزة بانتظار "التمكين الكامل للحكومة"، وصفت حماس بـ"رئيس حكومة فتح الذي يصر على الكذب والتضليل، وتغطية دوره المشين في تفاقم أزمات غزة والتلذذ بعذابات أهلها"، مجددة دعوة "الحكومة الانفصالية" إلى الرحيل وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تساهم في إنجاز الوحدة والمصالحة".
أداة سياسية
من جهته، يقول المحلل السياسي ذو الفقار سويرجو: إن الحكومة "أداة تنفيذية في يد السياسيين وأي تغير في الملف السياسي سينعكس إيجابا على أداء الحكومة".
ويشير في تصريحات لصحيفة "فلسطين"، إلى أن من المتوقع عقد اجتماع للحكومة بشكل مشترك عبر "الفيديو كونفرنس" بين الضفة وغزة، يضعها أمام جمهور القطاع، وأي قرارات لا تلبي الحد الأدنى مما هو مطلوب منها، فإن ذلك قد يؤدي إلى حالة من النقمة داخل المجتمع الغزي، مردفا: "لا أعتقد أن الحكومة جاهزة لمواجهة هكذا نقمة".
وفي نفس الوقت، يضيف أنه لا يعتقد أن لدى الحكومة قرارات "تخرج عن العقوبات" التي فرضها عباس.
لكن سويرجو يقول: "أعتقد أن دخول الوفد المصري للقطاع أمس ستكون له كلمة الفصل والتوضيح أمام الجمهور، ووضع كل المسارات على السكة، بحيث أن من سيقف في وجه المصالحة الحقيقية ستتم مقاطعته والتعامل مع الطرف الآخر بطريقة مغايرة جدا ضمن سيناريو مكتمل وجاهز ولديه كل الخيارات مفتوحة، بدعم مصري وعربي"؛ وفق قوله.
ويتابع: "عباس يمر بمرحلة سياسية حرجة جدا وقد يتم الاستغناء عن خدماته في المرحلة القادمة من قبل مجموعة من الدول العربية وحتى المجتمع الدولي، وارتطامه بالحائط في الملف السياسي نتيجة إصرار الولايات المتحدة على طرح ما تسمى صفقة القرن، وهي رسالة أمريكية واضحة للرئيس أنها (واشنطن) لا تقبل مبادرته التي طرحها في مجلس الأمن".
ويرى سويرجو أنه لم يعد أمام عباس إلا خيار واحد هو العودة للمصالحة، لأن الخيار الآخر هو ضياع القضية الفلسطينية.
ويقول سويرجو: إن عباس لابد أن يتخذ قرارا حاسما برفع العقوبات عن قطاع غزة، مضيفا: "نحن أمام شهرين صعبين جدا، وأي نتائج سلبية ستترتب على القضية الفلسطينية يتحمل مسؤوليتها من يعيق المصالحة، وأعتقد أن مفتاح المصالحة بيد الرئيس".
ويتابع أنه بدون تحقيق المصالحة لن تكون لدى عباس أي أسلحة لمواجهة "صفقة القرن" التي تعدها الإدارة الأمريكية لتسوية القضية الفلسطينية، مبينا أنه إذا لم يقبل رئيس السلطة بالذهاب نحو مصالحة حقيقية تنهي كل الملفات فإن ذلك سيحمله المسؤولية التاريخية عن أي تدهور في الوضع الفلسطيني العام.
ويوضح سويرجو، أن السلطة تستخدم ملف الإجراءات العقابية المفروضة على القطاع "لتحسين موقفها التفاوضي في القضايا الداخلية وموضوع المصالحة"، مؤكدا أنه من غير المجدي الاستمرار بذلك.
وأمام استمرار الأزمات التي تعصف بالغزيين، يبدو أن أكثر ما ينطبق على مسار تسلّم الحكومة لغزة حتى اللحظة، هو توصيف "الحمل الكاذب"؛ ما دام لم يفض إلى نتائج يلمسها المواطن على أرض الواقع.