فلسطين أون لاين

خطاب عباس.. لا جديد في حضرة الأقوياء

يصر بطل مسلسل "التفاوض هو الخيار الوحيد" على السير في سفينة خرقها الإسرائيليون خرقًا يتحكمون به في منسوب المياه التي تدخلها، كي تبقى تائهة تبحث عن مرفأ، فلا هي أغرقتها، ولا أوصلتها إلى بر الأمان.


أمام اجتماع الدورة الـ(72) للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث الكلمة الأولى والنهائية لصاحب القوة لا صاحب الحق، مهما بلغ من الفصاحة والبيان؛ اجتمع الكبار مع الصغار، ليَسمع بعضهم بعضًا ويُسمع بعضهم بعضًا، في قضايا من العيار الثقيل، فأدلى كل كبير بدلوه وألقى أوامره، وأتاح المجال للضعفاء كي يفضفضوا.


وهنا بدأ رئيس السلطة محمود عباس الذي دخل كل جولات الصراع مع الاحتلال فارغًا من أي قوة حقيقية تقوي موقفه خطابه بلهجة الاستجداء (نرجو منكم مساعدتنا)، وبدأ بسرد المعاناة التي واجهها الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال (يعرفها كل المستمعين لأن نصفهم ساهموا في صناعتها واستمرارها) من هجرة ولجوء وحروب ودمار، ثم بدأ يشتكي من ممارسات كيان الاحتلال الذي تنكر لعملية التسوية، واخترق كل ما وقع ولم يعط السلطة أي سلطة، وإزاء ذلك دعا إلى "تشكيل آلية دولية متعددة الأطراف تساعد الجانبين في المفاوضات، لحل قضايا الوضع الدائم جميعًا حسب اتفاق أوسلو، وتنفيذ ما يتفق عليه ضمن مدة زمنية محددة، مع توفير الضمانات للتنفيذ"، وتعهد قائلًا: "خلال المدة القادمة سنكثف جهودنا للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ونعمل على تأمين الحماية الدولية لشعبنا"، ولأن الوضع لم يعد يحتمل كما قال دعا إلى "عقد مؤتمر دولي للسلام في منتصف عام 2018م، يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، بمشاركة دولية واسعة تشمل الطرفين المعنيين، والأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، وعلى رأسها أعضاء مجلس الأمن الدائمون والرباعية الدولية، على غرار مؤتمر باريس للسلام أو مشروع المؤتمر في موسكو، كما دعا له قرار مجلس الأمن 1850".


خطاب عباس ليس فيه جديدًا، فهو كرر ما سبق أن قاله في اجتماعات سابقة، وهذا التكرار الممل يفتح في النفس شهية طرح أسئلة كثيرة جدًّا: لماذا يصر عباس على الدوران في دائرة مفرغة، مع أن شجرة المفاوضات أكلت من عمر القضية أكثر من عشرين عامًا، دون أن يقطف ثمارًا حلوة منها، وهيبة القضية الفلسطينية ضاعت في زحمة اللهاث خلف تنفيذ ما يطلبه الاحتلال دون تردد، وفلسفة المفاوضات ما قتلت ذبابة، ولا أخرجت من السجن أسيرًا، ولا أعادت لاجئًا إلى قريته، ولا أزاحت حاجزًا عن موقعه، ولا صدت جموع المغتصبين عن اقتحام البلاد وإهانة العباد (وهذا اعترف به كبير المفاوضين صائب عريقات)؟!


السلطة قدمت كل ما يراد منها وزيادة، وكان كل ما قدمته على حساب القضية الفلسطينية، لكن السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني بانون وصف خطاب عباس بأنه "مليء بالأكاذيب ويزيد الكراهية"، ورأى "أن القيادة الفلسطينية تتملص من السلام بطريقة منظمة"، وقال لعباس: "لست جزءًا من الحل، وإنما جزء من المشكلة".


وهنا أستحضر قول الله (عز وجل): "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم".

--