لا أدري ما هي مبررات أولئك الذين هاجموا السفير القطري محمد العمادي, الذي جاء إلى قطاع غزة محملا بتسعة ملايين دولار كدعم غير مشروط من الحكومة القطرية إلى سكان قطاع غزة المحاصر والمنكوب والذي يتم التآمر عليه أمريكيا وإسرائيليا ودوليا وعربيا وإقليميا, في محاولة متكررة ومشكورة من القيادة القطرية لحل بعض الأزمات التي يعاني منها سكان القطاع, وهذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها قطر خدماتها للفلسطينيين وقطاع غزة تحديدا, فقطر بصماتها واضحة في غزة, وأيادي الخير والعطاء القطرية دائما ممدودة للفلسطينيين, والمشاريع القطرية لتحسين حياتهم لا تكاد تتوقف, في الوقت الذي تخلى فيه الجميع عن واجباتهم تجاه فلسطين وقضيتها وشعبها وتجاه قطاع غزة المقاوم تحديدا, وتعاملوا مع غزة على أنها إقليم متمرد يحتوي الإرهابيين والمتمردين والدواعش، وبالتالي ليست له أية حقوق وهو خاضع لكل أشكال العقاب.
قطر تدفع ثمن مواقفها تجاه فلسطين, وتعاني من حصار الأشقاء, وتهديدات الأعداء, وتحريض عربي وإقليمي غير مسبوق, لأنها فقط تساند الفلسطينيين, وتحاول أن تسهم في حل مشاكلهم, وترفض حصار غزة وتعمل على إنهائه, وهى تدفع بكل قوة لإنجاح المصالحة الفلسطينية, فتطرح المبادرات, وتقدم الحلول, وتذلل العقبات, وتدعو كل الأطراف للجلوس والتشاور بعيدا عن المناكفات ولغة التقاذف والاتهامات المتبادلة التي تعقد الأمور, وتزيد الأزمات, وتجذر المشكلات, وفي سبيل ذلك تدفع قطر الثمن في كل لحظة, فتعاني من حصار الجار والقطيعة والهجوم الإعلامي المنفلت والمأجور, وبدأت "إسرائيل" تتخذ خطوات لإغلاق مكاتب قناة الجزيرة ومنع مراسليها من العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة, والسبب غير المعلن "إسرائيليا" هو دعمها المالي للفلسطينيين، وخاصة سكان قطاع غزة.
ربما يتحفظ البعض على سياسات قطر تجاه (إسرائيل) تحديدا, ويرفضون استضافة شخصيات صهيونية على قناة الجزيرة, كذلك ينتقد آخرون وجود أية قواعد عسكرية لأمريكا أو غيرها على الأراضي العربية, إلا أن ذلك لا يبرر أن تقابل المواقف القطرية الداعمة لنا والمساعدات المقدمة للفلسطينيين بمهاجمة السفير القطري, ولا بإنزال العلم القطري عن مبني مستشفى الشفاء بغزة, ولا بتمزيق اللافتات التي تقدم الشكر لقطر على دعمها للفلسطينيين ووقوفها معنا في هذا الوقت العصيب, الذي يتخلى فيه الكثير عن واجبه الأخلاقي تجاه فلسطين, ويجبن فيه الجميع عن الوقوف مع الشعب الفلسطيني ودعمه ومساندته, بل يتآمر البعض على فلسطين وقضيتها وشعبها سرا وعلانية, ويدفع بالفلسطينيين للاستسلام لسياسة الاحتلال التي تنتقص من الحقوق الفلسطينية وتتنكر لها, كما يدفعهم للقبول بسياسة الأمر الواقع, إرضاء (لإسرائيل) وخضوعا لسياسة الإدارة الأمريكية المنحازة كليا لصالح الاحتلال.
القضية الفلسطينية تمر بمنعطف خطير, وتحتاج إلى الدعم والمساندة, ولا يجب ان تخسر حلفاءها وأصدقاءها الحقيقيين الداعمين لها بعد ان انحصروا في أعداد قليلة جدا خوفا من سخط الإدارة الأمريكية وغضبتها, وإذا كان هناك من يجب ان يحاسب على الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه سكان قطاع غزة فهو الاحتلال الإسرائيلي أولا, ثم السلطة الفلسطينية التي تضيق الخناق على سكان قطاع غزة وتشدد العقوبات, لإجبارهم على الثورة في وجه حماس ونبذها وإسقاطها, وبالتالي إسقاط مشروع المقاومة برمته, حتى تخلو الساحة الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي ليمارس سياسته ومخططاته ومؤامراته التصفوية للقضية الفلسطينية بالشكل الذي يريده, وبعيدا عن أية مناكفات أو مقاومة فلسطينية أو عربية, خاصة ان تصفية القضية هي جزء مما تسمى صفقة القرن التي تطرحها الإدارة الأمريكية بالشراكة مع "إسرائيل" ودول عربية كبرى.
السؤال المطروح الآن: "هل قطر مطالبة بحل مشكلة عمال النظافة, أم أننا نغمض أعيننا عن الحقيقة وندفن رؤوسنا في الرمال؟ لماذا نتجاهل تعامل حكومة رامي الحمد الله مع غزة؟ وهل يجب ان نتغافل عن اللقاء السري الذي جرى في رام الله بين رامي الحمد الله ووزراء من حكومته مع منسق أعمال الحكومة الصهيونية يواف موردخاي بحضور وزير المالية الصهيوني موشيه كحلون في تحد فج وصارخ لقرارات المجلس المركزي؟ لماذا نغمض أعيننا عن ممارسات وزير الصحة في حكومة رامي الحمد الله جواد عواد, الذي يقف موقفا سلبيا أمام كل الأزمات التي تعاني منها مستشفيات قطاع غزة, ويرفض مدها بالاحتياجات المطلوبة؟ لماذا نصم آذاننا عن تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التي أشار إليها السيد فريح أبو مدين وزير العدل في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات والذي كتب: "قال لي الرئيس بوضوح، أنت ابن غزة وعلى حماس أن تفهم ما يلي: إن أرادت المصالحة، أن تتخلى بالمطلق عن حكم غزة، وأن تتمكن الحكومة من السيطرة على كل شيء من المال حتى السلاح، وأن يعاد ترتيب أوضاع القطاع من جديد، واستطرد أبو مدين قائلًا، وهنا طلبت منه إعادة النظر بقطع الرواتب، فقال لن أرفع عقوبات ولن أُقدم مبادرات إلا بالشروط السابقة، وأن تكون غزة هكذا، وأشار إلى خاتم في إصبعه، وإلا بنتهم عندهم وابني عندي!!"؟ لماذا نتجاهل ما كتبته صحيفة "لافيغارو الفرنسية"، أن السلطة لن تحول الأموال إلى قطاع غزة إذا لم تحصل على السيطرة الفورية على الشرطة والجهاز القانوني والنظام المالي في قطاع غزة, وفق الشروط التي حددها أبو مازن, وأن حماس مطالبة بالرد على هذا الأمر حتى نهاية الشهر، وإلا سيتم وقف عملية المصالحة؟
لماذا يلقي البعض باللوم على قطر وهي تتجاوز جميع الدول العربية في دعمها لقطاع غزة, والجميع يعلم جيدا ان التعامل مع غزة مقامرة ويتم وفق سياسة ممنهجة ومقصودة؟
لن تحل مشكلات غزة الحياتية والمعيشية إلا بكسر المقاومة الفلسطينية والاستسلام ورفع الرايات البيضاء, ولو كانت هناك نوايا حقيقية لدى السلطة الفلسطينية لرفع عقوباتها عن غزة, لاستجابت للاتفاقات الموقعة بينها وبين حماس في القاهرة ومكة والشاطئ, ولكن للأسف قوبلت تنازلات حماس لأجل إنجاح المصالحة, بقناعة أن العقوبات هي التي دفعتها للتنازل, فكان إصرار رئيس السلطة محمود عباس على تشديد العقوبات والاستمرار في حصار غزة حتى تستسلم وتركع لإرادة رئيس السلطة الفلسطينية.