القضية الفلسطينية أهم من كل المصالح الحزبية والشخصية، فهي قضية وطن وشعب والكل مطالب بالعمل الوحدوي لتحقيق حقوق شعبنا الوطنية وإفشال محاولات تصفية هذه الحقوق من خلال استغلال اميركيا وكيان الاحتلال للظروف الحالية، فاذا كانت الظروف هي التي تصنع الانسان فعلينا نحن صناعة ظروف انسانية يحقق شعبنا من خلالها كافة حقوقه الوطنية الثابتة، لأن الاحتلال يعمل على قدم وساق من أجل التهويد وأسرلة القدس ويقوم بهجمة استيطانية واسعة ويناقش ضم المستوطنات لدولة الاحتلال، وكذلك ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، الى جانب الضغط من أجل التخلص من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" الشاهد الأكبر على قضية شعبنا وعلى ما فعله الاحتلال بشعبنا منذ اقتلاعه قسرا عام 1948، وكذلك على حق العودة الذي لا يمكنه أن يسقط بالتقادم كما تحاول دولة الاحتلال وادارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تطبيق المؤامرة بحذافيرها بشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم ووطنهم فلسطين الذي لا وطن لهم سواه، ولن يقبلوا بالتوطين والوطن البديل..الخ.
في هذه الأيام تشتد الضغوط على قطاع غزة بصورة خاصة، وقد بدأت المؤسسات الصحية تغلق أبوابها بسبب نفاد الوقود، وأصبحت المياه في غالبيتها غير صالحة للشرب، وتتزايد البطالة تزايدًا خطيرًا، وأصبح نحو مليوني فلسطيني يختنقون بسبب كل هذه الممارسات والحصار الحاقد الذي يفرضه الاحتلال بصورة خاصة.
ولكن الضرر الأسرع والأكثر خطرا لو حدث انفجار القطاع هو ما سيصيب استراتيجية الاحتواء المزدوج (الاقتصادي والأمني) أكثر مما سيصيب حماس؛ حماس التي لا تشكل كل المجتمع الغزي، فما أريد قوله ان حماس ليست وحدها المتأذي من الحصار والضنك ولكن الشعب الفلسطيني وقضيته هما المتأذي الأكبر.
لذا تحقيق المصالحة الوطنية أصبح ضرورة ملحة، بل وحتمية تاريخية إن اردنا التصدي العملي وعلى أرض الواقع لهذه المؤامرات التصفوية التي تجري محاولات تمريرها من خلال الممارسات والانتهاكات التي يقوم بها الاحتلال الاسرائيلي على الارض بدعم من الادارة الاميركية الحالية المتماثلة قلبا وقالبا مع حكومة الاحتلال الاسرائيلي اليمينية.
لعل من أهم أسباب اطالة الانقسام أننا لا نفرق بين الاوضاع الانسانية والسياسية وقد أعمينا أعيننا عن الاولى وسيسنا الانقسام كل حسب مصالحه، لذا يجب أن نعترف والاعتراف غير كاف بل يجب محاسبة أنفسنا على ما اقترفناه بحق قطاع غزة بتخفيف معاناة المرضى والمسافرين والضائقة المعيشية القاسية والمدمرة وازدياد نسبة البطالة وكل ما هو سيئ في الامور الحياتية. وهذه قضية انسانية يجب فصلها كليا عن القضية الثانية وهي الخلافات السياسية. معاناة الناس شيء والخلافات السياسية شيء آخر.
ان انقاذ حياة انسان أهم من كل الامور الاخرى واذا كانت المصالحة بعيدة فإن هذا يجب الا يعني استمرار معاناة الناس الذين لا علاقة مباشرة لهم بكل الخلافات وتداعياتها.
السؤال الاكثر إلحاحا: لماذا نحن نطالب بتعجيل إنهاء الانقسام والدفع بعجلة المصالحة إلى الامام؟ لأن الشعب الفلسطيني هو من يدفع فاتورة الانقسام وبالذات الغزيون المحاصرون ما قبل الانقسام بسنوات، فالأوضاع المعيشية في قطاع غزة تزداد سوءا ومعاناة وقد دخلت في هذه الايام مرحلة اكثر صعوبة ونتائج مأساوية حيث ملأت القذارات شوارعها ومستشفياتها وباتت حياة مرضى كثيرين في أشد مراحل الخطورة بسبب انقطاع الكهرباء وعدم النظافة وتوقف العمل بشكل شبه كامل.
فالحصار الاسرائيلي يسهم بشكل كبير في تردي الاوضاع وكذلك استمرار اغلاق معبر رفح او عدم فتحه بصورة دائمة وكذلك استمرار العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية كل هذا ادى الى تجاوز نسبة البطالة العامة في غزة حاجز ٤٠٪، ووصلت نسب الأسر الفقيرة إلى حاجز ٥٠٪، وفي كل عام يتخرج في جامعات غزة ومعاهدها قرابة 12 ألف خريج لا يلتحق أحد منهم بسوق العمل، وتعاني الأجيال الشابة أزمة عدم القدرة على الزواج، وعدم القدرة على الحصول على شقة، وهناك نحو 42 ألف موظف حكومي لا يتلقون إلا جزءًا محدودًا من الراتب بنسبة ٤٠٪، وتعاني الأسواق من كساد تجاري، ومن غلاء الأسعار أيضًا، مع فقدان شبه تام لمواد الإعمار، إضافة إلى أزمة الكهرباء، ومشكلة المياه، التي وصفها تقرير أممي بأنها غير صالحة للاستخدام الآدمي.
ولعل تقرير (أونكتاد) دق ناقوس الخطر بإعلان ان قطاع غزة غير صالح للسكن وقد عزا المعاناة المتزايدة سنويًّا إلى حصار والانقسام، وليس إلى الحروب الثلاث التي صدت فيها غزة العدوان الإسرائيلي الغاشم.
أقول لا بد من ان يتم ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي لأن القلعة لا تسقط إلا من داخلها، لذا يجب تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الحزبية والتنظيمية والخاصة هي ضرورة من ضروريات المواجهة والسير بقضية شعبنا نحو بر الأمان، وتوجيه صفعة قوية لكل محاولات النيل من هذه القضية غير القابلة للتصرف أو المساومة عليها.