فلسطين أون لاين

​"أم إياد".. تحت سيف الهموم والأمراض والديون

...
غزة- هدى الدلو

حركاتها وسكناتها تحكي وجعًا، ونظراتها تأبى إلا أن تفضح الحزن المختبئ في عينيها الممتلئتين بالدموع على الحال الذي آلت إليه، والتجاعيد وجدت مكانا ارتسمت على وجهها بسبب "الهمّ" الذي لطالما حملته على كاهلها، دون إعانة من قريب أو بعيد، إلى أن أصبحت غير قادرة على العمل، فتفاقمت حالتها سوءا، وهي التي تعيل أبناء مرضى..

أمٌ وأب

حديثنا عن "أم إياد"، سيدة خمسينية لكن وجهها يوحي بأنها في سبعينيات العمر على أقل تقدير، تقمّصت دور الأم والأب لأبنائها الخمسة بعدما تركها زوجها في مصر دون معيل، لتكابد بمفردها مرارة الوجع قبل 25 عامًا.

بعد أن تركها زوجها، عادت إلى قطاع غزة خوفًا على مستقبل أبنائها، خاصة فيما يتعلق بإصدار بطاقات شخصية لهم، تاركة أهلها الذين يقطنون في سيناء، لتشق الطريق بمفردها.

في صباها، كانت تطعم أبناءها من عرق جبينها، بطرق مختلفة، منها الخدمة في البيوت، والبيع في السوق، فلا يهمها ماذا تعمل، المهم عندها أن تعود لأبنائها بقوت يومهم، وتسد احتياجاتهم، ومع مرور الأيام والسنوات بدأ الضعف يتلف جسدها النحيل، وتسلل إليه المرض، فأُصيب بتليف الكبد، إلى جانب تقدمها في العمر، لذا لم تعد تقوى على العمل وتوفير احتياجات أبنائها المرضى.

كابوس البيت

الكابوس الذي لا يفارقها، هو حاجتها الماسة لبيتٍ تعيش فيه مع أبنائها، تحيا فيه حياة الاستقرار وتشعر بالطمأنينة بدلًا من الخوف الذي يتملكها من الطرد لعدم قدرتها على دفع قيمة إيجار البيت.

ضيق الحال جعلها كالرحالة، تتنقل مع أبنائها من بيت لآخر، فجابت بيوتًا كثيرة، تجاهد نفسها في البداية، لتتمكن من دفع الإيجار في حال حصلت على عمل، وتحرم نفسها وفلذات أكبادها الطعام والشراب كي لا يصبح مسكنهم الشارع، لكن هذا لا يستمر، فسرعان ما تفقد القدرة مجددا على دفع الإيجار، فتتراكم عليها الديون لصاحب البيت، حتى ينتهي الأمر بالطرد من جديد.

قالت أم إياد: "لا يهمني نوع الطعام الذي نتناوله، فكسرة خبز وملح تكفي لسد فراغ أمعائنا، فالأهم بالنسبة لنا هو العيش باستقرار وأمان، حتى لو كان البيت غرفة واحدة، المهم أن يحمينا من الصيف وحرارته، والشتاء وبرده وأمطاره".

وأضافت، ودموعها تخونها فتنساب على وجهها: "ابني الأكبر مريض نفسيًا، وابني الأوسط وبنتي الصغرى مصابان بمرض الصرع، والصغير مريضٌ بالتهاب الكبد الوبائي".

وبقلب يعتصر ألمًا، تابعت: "مريض الصرع يحتاج بشكل دائم لأدوية تخفف من حدة النوبات، أما المصاب بالتهاب الكبد فهو يحتاج بين فترة وأخرى إلى حقنة تبلغ تكلفتها 300 دولار، إلى جانب أدوية أخرى وتحاليل طبية كثيرة، والآن أنا أيضًا مريضة بتليف الكبد، وأخبرني الطبيب أني بحاجة لإجراء عملية تكلفتها 3 آلاف شيكل، وهذا مبلغ يفوق الخيال بالنسبة للحال الذي أعيشه".

في فصل الصيف الماضي، بسبب عدم امتلاكها قيمة إيجار البيت، طردهم منه صاحبه، فنصبت حبال خيمتها على شاطئ بحر غزة لتقضي شهوره وأيامه، ولكن مع حلول فصل الشتاء قام متبرع باستئجار شقة ودفع إيجار شهر واحد (400 شيكل)، ولم تتمكن من دفع المطلوب في الشهور التالية، وحاليا، ومنذ شهرين، يطالبها صاحب البيت بالرحيل، أو تسديد ما تراكم عليها.

وأشارت إلى أن الديون المتراكمة عليها بلغت 6 آلاف شيكل، وقد صدر بحقها أمر بالحبس نتيجة شكوى المدينين عليها، فأصبحت تخفي نفسها عن عيونهم.

وكانت قد دفعت بابنها الكبير إلى العمل، ولكن المجتمع لم يرحمه من الاستهزاء به لمرضه النفسي، وقد حاول أكثر من مرة الانتحار، ما دفعها إلى عدم توجيهه نحو العمل مجددا، وفي ظل الوضع الذي يزداد سوءًا لا تمتلك هذه السيدة سوى التضرع إلى الله والدعاء بأن يفرج كربها.