أكد محللان سياسيان أن امتناع واشنطن عن التصويت على قرار إدانة الاستيطان، يعد انتقاما من طرف إدارة الرئيس باراك أوباما بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو نظرا لموقف الأخير الذي دعم علانية وصول الرئيس الجديد دونالد ترامب للحكم، إضافة إلى ما شهدته العلاقة بين نتنياهو أوباما من شد وجذب خلال ولايته الثانية.
وذكر المحللان، أن قيمة القرار الأممي حول الاستيطان تتحدد من خلال استطاعة المجتمع الدولي إلزام دولة الاحتلال بتطبيقه، مشيرين إلى أن احتمالات ذلك تبدو ضعيفة في ظل قوة الموقف الإسرائيلي وضعف الموقف الفلسطيني على الساحة الدولية.
وكان مجلس الأمن أقر، مساء الجمعة، مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي، حيث وافقت 14 دولة في المجلس على مشروع القرار، وامتنعت واشنطن عن التصويت على مشروع القرار، الأمر الذي أدى لتمريره ونجاح التصويت عليه.
وأكد المحلل السياسي هاني حبيب، أن هذا الامتناع الأمريكي لم يكن للمرة الأولى، حيث امتنعت عن التصويت على قرارات تتعلق بإدانة الاستيطان، مشيرًا إلى أن الموقف الأمريكي يعد انتقاما خفيا من قبل الرئيس أوباما تجاه رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، الذي لم يكن يحترم أوباما خلال فترة ولاية الأخير حيث شابها العديد من الخلافات التي وصلت للعلن في أحايين كثيرة.
وقال حبيب لصحيفة "فلسطين": "نحتاج إلى الانتظار قليلا لكي نرى كيفية إدارة ترامب لملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع ترجيحات بأن تكون سياسته الجديدة تخدم دولة الاحتلال بشكل أكبر مما كانت عليه خلال الإدارات الأمريكية السابقة".
ونوه إلى أن ترامب لا يعترف بأن الأراضي المحتلة عام 1967 هي أراضٍ فلسطينية، بل يراها جزءًا من دولة الاحتلال، وهو الأمر الذي دأب على التصريح به قبل أن يفوز بالانتخابات الأخيرة، وتؤكده تصريحات مماثلة من مساعديه ومستشاريه.
ولفت إلى أنه بالرغم من أن هذا القرار هو قرار جيد للفلسطينيين ويمثل اعترافا دوليا بعدم قانونية الاستيطان، إلا أن القيمة الحقيقية له تتمثل في إلزام دولة الاحتلال بتطبيقه على أرض الواقع ووقف أنشطتها الاستيطانية في الأراضي التي احتلت عام 1967.
واستبعد حبيب أن يتمكن العالم من إلزام دولة الاحتلال بتنفيذ القرار نظرًا لأن الأخيرة تملك أدوات قوة تؤثر في معظم صانعي القرار في الدول العالمية، فضلًا عن ضعف الموقف السياسي الفلسطيني وعدم قدرته على فرض نفسه دوليًا نتيجة لعوامل كثيرة بعضها ذاتي وبعضها الآخر يرتبط بالعوامل الخارجية.
وبيَّن أن من أهم العوامل الذاتية هو حالة الضعف والتشتت التي تنتاب الحالة الفلسطينية، بينما يقف ضعف العامل العربي وارتباط العالم الغربي بمصالح كبيرة مع دولة الاحتلال في مقدمة العوامل الخارجية.
واعتبر حبيب أنه يمكن للفلسطينيين أن يستفيدوا من القرار في المضي نحو جهد حقيقي لاستصدار حكم من محكمة الجنايات الدولية بجعل الأنشطة الاستيطانية جريمة حرب كما تنص على ذلك القوانين الدولية التي تمنع قيام القوة المحتلة بأي تغيير جغرافي أو سكاني في الأراضي التي تقع تحت سيطرتها.
وذكر أن سر الفزع الإسرائيلي من القرار هو شعور نتنياهو بأنه فقد -للحظة- التفوق الإسرائيلي في المحافل الولية، وهو الأمر الذي يشكل مادة جيدة للهجوم عليه داخل الساحة الإسرائيلية من قبل أحزاب اليمين المتشدد والمعارضين له، ولذلك قام فور صدور القرار بعقد جلسة للمجلس الأمني المصغر وأعلن نيته استدعاء السفراء الإسرائيليين في الدول التي أعادت طرح القرار.
ولفت إلى أن سبب قيام هذه الدول الأربع بطلب إعادة طرح القرار للتصويت هو أنها ستغادر مقاعدها في مجلس الأمن لصالح دول أخرى كما يرتب ذلك النظام الداخلي للمجلس، معتبرا أنها خطوة أضافت رصيدا إيجابيا لتلك الدول.
من ناحيته، أكد المحلل السياسي سامر عنبتاوي، أن حالة من التبرم أصابت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة من تعنت رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو وإصراره على المضي في سياساته الاستيطانية التي تدفن "حل الدولتين" المطروح دوليًا.
وبيَّن عنبتاوي لصحيفة "فلسطين"، أن أوباما أوعز للمندوب الأمريكي بالامتناع عن التصويت بدلا من استخدام الفيتو ونقض القرار لأنه يريد إظهار حالة الامتعاض التي تنتابه تجاه نتنياهو، حيث لم يكن على وفاق كامل مع أوباما خلال فترته الرئاسية، وعليه كان من المنتظر أن يتخذ الرئيس الأمريكي موقفًا قويًا مع اقتراب مغادرته للبيت الأبيض.
واعتبر أن هذا السلوك الأمريكي يأتي في وقت بدأت تظهر فيه علامات تراجع السيطرة الأمريكية التي كانت مطلقة على العالم خلال السنوات الماضية، مع ظهور أقطاب أخرى كروسيا والصين وغيرهم من الدول.
وقال: إن هذا القرار هو قرار دولي وملزم ومن شأنه أن يضع قيودًا على ممارسات الرئيس القادم ترامب، إلا إذا قرر الأخير أن يتحدى العالم ويستخف بالقوى الدولية الأخرى، وهو ما سيكون سببًا في توتير العالقات الأمريكية مع القوى العظمى في العالم وخاصة روسيا وأوروبا.
وشدد على أنه يحظر على الطرف الفلسطيني قصر استفادته من القرار على تحسين شروط التفاوض، بل يجب أن يكون ورقة قوة من أجل تطبيق شرط وقف الاستيطان بشكل حقيقي قبل استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.
وأشار إلى أن القرار جاء بعد حالة الإحباط الفلسطيني من المشاريع السياسية وتصلب دولة الاحتلال وتلاشي إمكانية حل الدولتين، لافتًا إلى أن القرار يتناول الأراضي الفلسطينية كوحدة كاملة تشمل جميع الأراضي المحتلة بما فيها شرقي القدس المحتلة وعدم شرعية المستوطنات بأثر رجعي منذ عام 1967.
وذكر أن التركيز في القرار على شرقي القدس المحتلة وعدم شرعية الاستيطان فيها يشكل لطمة قوية للمساعي الإسرائيلية لتهويد المدينة، وهو ما سيؤثر بشكل كبير في وعود ترامب بنقل السفارة إليها بدلًا من (تل أبيب).
وأوضح أن القرار أظهر أن الشعب الفلسطيني ليس يتيمًا بل إن هناك دول كثيرة في المجتمع الدولي تدعم الشعب الفلسطيني وتتبنى مواقفه بشكل مبدأي حتى لو أثر ذلك على مصالحها الاقتصادية والسياسية كفنزويلا والسنغال اللتين هددهما الاحتلال بشكل مباشر ومع ذلك استمرتا على موقفهما.
وأشار إلى أن توقيت القرار يأتي في فترة مهمة حيث أقر الكنيست قبل أسابيع مشروعية البؤر الاستيطانية وتحويلها لمستوطنات، إضافة إلى الإعلان عن آلاف الوحدات الاستيطانية، معتبرا أن هذا القرار يسهل التصدي لهذه المشاريع.
وأكد ضرورة التركيز على الاستفادة من التدخل الدولي المباشر بالقرار, الأمر الذي يدعم وجود حاضنة دولية وغطاء وإشراف دوليين على الحلول والبعد عن المفاوضات المباشرة بل وفرض الرؤيا الدولية على الحلول ضمن قرارات الشرعية الدولية.
وأوضح أن هذه اللطمة السياسية للاحتلال سيكون لها هجمات ارتدادية من حكومة نتنياهو تتعلق بالضغوطات الاقتصادية والسياسية على السلطة، وما يرافقها دعم أمريكي متوقع من إدارة ترامب كما صرح هو نفسه بذلك.
وأكد أن التصدي لهذه الهجمات يقتضي جملة من المساعي الفلسطينية من بينها استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام وإعادة صياغة البرنامج الوطني الشامل والموحد، إضافة إلى ضرورة إعادة وضع المخططات الاقتصادية ضمن رؤية جديدة تضع برنامجًا اقتصاديًا مقاومًا يدعم صمود الشعب ويؤهله لمواجهة الضغوط الاقتصادية.