ربما لا يخطر ببال البعض طبيعة الآثار النفسية والاجتماعية التي تفرضها قسوة الأوضاع المعيشية على فئة الأطفال في المجتمعات، لاسيما في قطاع غزة الذي تفرض عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي حصارا خانقا منذ 11 سنة.
ووفقا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ارتفعت معدلات الفقر والفقر المدقع لتتجاوز 65% وتجاوزت نسبة نقص أو انعدام الأمن الغذائي 72% لدى الأسر في قطاع غزة.
أستاذ علم النفس في جامعة الأزهر بغزة، د. ياسر منصور، يقول إن التنشئة السوية تنتج إنسانا سويا، والعكس صحيح.
ويوضح منصور في حديث مع صحيفة "فلسطين"، نوعين من التأثر المحتمل بقسوة الأوضاع المعيشية.
ويفسر منصور، بأن الفقر على سبيل المثال قد يفضي إلى سلوكيات غير سوية في بعض الأحيان، منها ما له علاقة بالانحراف، أو التسرب الدراسي، أو نشوب مشكلات بين الأطفال، أو سلوك عنفي، كما قد يؤدي إلى ما يعرف بعمالة الأطفال.
لكن النوع الثاني من التأثير ينطبق عليه القول "الحاجة أم الاختراع"، إذ يقول: "يمكن أن ينتج الفقر شخصيات تحفر الصخر، وشخصيات نوابغ أو على قدر المسؤولية والوعي والتكيف مع أقل شيء، وإنتاج أعظم شيء من لا شيء، فقد يكون (التأثر) عكس الافتراض الأول".
ويشير منصور، إلى أن الفقر بحد ذاته لا يؤثر بشكل مباشر على الطفل وإنما على أبويه، فيما يتأثر الطفل من خلالهما، ويؤدي إلى نوع من أنواع الضغوط والقلق والاكتئاب وعدم الاستقرار وتشتت الفكر، وورود أفكار غريبة.
وفيما يتعلق باجتماع الأوضاع المعيشية الصعبة مع تأثيرات شن الاحتلال الإسرائيلي ثلاث حروب عدوانية على القطاع بين 2008 و2014، يقول منصور، إن هذه الحروب لها أثرها المباشر على الصغير والكبير.
لكنه يوضح أن الطفل الصغير جدا أيضًا لا يتأثر مباشرة من الحرب وإنما من سلوك والديه، قائلا: "إذا كان الأب القدوة أمامه خائف وفي حالة عدم تماسك هو كطفل كيف سيكون وضعه؟".
أما الطفل في مراحل المدرسة، فهو يدرك الخوف والخطر بشكل مباشر إضافة إلى خوف الأبوين، بحسب منصور.
وبشكل عام –والكلام لا يزال لأستاذ علم النفس- فإن الحروب تنتج شخصيات غير سوية، يكون لديها ما يعرف بـ"اضطراب ما بعد الصدمة"، الذي له أعراض كثيرة ربما تستعصي على الحصر وتختلف من شخص إلى آخر.
وينوه إلى أن تأثر الإنسان بالحروب "شيء طبيعي" لأنها مثير صعب.
مراعاة المشاعر
من ناحيته، يؤكد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الإسلامية بغزة د. وليد شبير، أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة تؤثر على كل فئات المجتمع بما في ذلك الأطفال، مبينا أنها تترك آثارها على متطلباتهم وحاجاتهم.
ويضيف شبير لصحيفة "فلسطين"، أنه إذا لم يكن بحوزة الأب من المال ما يشبع حاجات أطفاله فإنهم يتأثرون بذلك.
ويتابع بأن عدم توفر المال بسبب البطالة والحصار وغيرهما يؤثر اجتماعيا ونفسيا على الطفل سواء كان في الروضة أو المدرسة.
ويضرب مثلا بطفل لا يملك المال فيما يرى زميله يتوفر معه مصروفه، أو آخر لا يستطيع أبوه توفير الدفاتر والأقلام والقرطاسية ولوازم التعليم له.
وفضلا عن ذلك، يوضح شبير أن الطفل ربما يصاب بمرض ولا يستطيع الأب معالجته عند طبيب خاص، أو تسديد ثمن الدواء، ما يؤثر على صحته.
وعن سبل مواجهة ذلك، يقول شبير إن الأب لا بد أن يراعي شعور أطفاله وأن يكون صريحا معهم ويقنعهم بوضعه الاقتصادي، كما يتوجب عليه السعي والجد والاجتهاد في طلب الرزق.
ويضيف: "لا بد أن يفكر الوالد كيف يدبر أمور أسرته وكيف ينفق عليهم، فقد يجد عملا آخر غير عمله الأصلي الذي لا يفي بإشباع حاجاته من حيث المال، أو قد يفكر في بعض صلات القربى من الإخوة والأهل والموارد، فلابد من أن يتلمس ويتحسس موارده الأخرى ويستثمرها ويحاول أن يجني المال لينفق على أسرته".
ويحذر أستاذ علم الاجتماع من أنه إذا لم يقم الأب باطلاع أولاده على وضعه الاقتصادي وإقناعهم بما لديه ومصارحتهم والسعي والاجتهاد قدر الإمكان للإنفاق عليهم ، فقد يتعرض الطفل لمشكلات تؤدي به إلى أن يسرق أو يرتكب جنحة تودي به إلى سجن الأحداث.