نعتز بأطفال فلسطين ونستذكر كل الأطفال الشهداء والجرحى برصاص الاحتلال الإسرائيلي، والأسرى الذين زج بهم الاحتلال في سجونه بعد محاكمات جائرة تفتقد العدالة، وتناقض القوانين الدولية.
إن نهج الاحتلال وفكره الذي يرى في كل طفل فلسطيني تهديدًا لأمنه ومستقبله واستمراره إنما يؤكدان أن شعبنا بشيوخه وأطفاله ورجاله ونسائه يستحق الحياة الحرة الكريمة مثل أي شعب آخر، وأن هذا النهج الاحتلالي الذي ينتمي إلى عصور ظلامية موغلة في القدم لا يمكن أن ينتصر أمام إرادة هذا الطفل الفلسطيني أو هذه الطفلة الفلسطينية.
كشفت وسائل إعلام عبرية أخيرًا تقريرًا سريًّا أعدته ما يسمى وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية ورد فيه أن طفلة فلسطينية سنها ١١ عامًا تشكل التهديد القادم للكيان العبري، واصفًا إياها بـ«عهد التميمي القادمة»، والسبب واضح وبسيط كما يكشف التقرير نفسه، وهو أن هذه الطفلة _وتدعى جنة جهاد التميمي من النبي صالح_ توثق المواجهات التي تجري أمامها بين جنود الاحتلال والمواطنين، وأنها تتحدث الإنجليزية بطلاقة أمام وسائل الإعلام المحتشدة في أماكن المواجهات، وتتحدث عن المعاناة الفلسطينية بسبب الاحتلال وممارساته.
فالطفلة عهد الأسيرة بسبب إحراجها لهذا الاحتلال، وبسبب الهزة التي أحدثتها في الكيان، وكسبت تعاطف العالم شعوبًا ومنظمات إنسانية قدمت لمحاكمة ظالمة، فما أزعج الاحتلال أنها فتاة تظهر بمظهر لائق وشعر أشقر وعينين زرقاوين تتحدى جنوده أمام العالم أجمع، لتنسف أيضًا الصورة النمطية السيئة التي حاول إلصاقها بالفلسطينيين على مدى سنوات الصراع الطويل.
لقد أظهر هذا التقرير عنصرية معديه بتلفيق تهم للأطفال الفلسطينيين العزل، بهدف تشويه صورة أطفالنا أمام الرأي العالمي، كي يكسب تعاطفه، ويجيز لنفسه ما يحرمه القانون الدولي بمواصلة الاحتلال والاستيطان والحصار، وكل الأعمال الوحشية ضدهم، ومن ذلك الاعتقال والمحاكمات والأحكام الجائرة بحقهم، فضلًا عن آلاف الشهداء والجرحى من الأطفال الفلسطينيين الذين استهدفهم هذا الاحتلال متعمدًا، لأنه يرى فيهم تهديدًا حقيقيًّا لاستمراره في اضطهاد الشعب الفلسطيني، وتهديدًا حقيقيًّا لأكاذيبه وحملاته التضليلية التي يروجها ضد الفلسطينيين في مختلف أنحاء العالم، وبدأت تتساقط كما ورقة التوت التي تستر عورة هذا الاحتلال.
من كل هذا السجال نفهم أن الاحتلال كما يبدو لا يريد أطفالًا فلسطينيين يظهرون بمظهر لائق أمام الكاميرات ويتحدثون الإنجليزية بطلاقة، ما ينسف الصورة التي حاول هذا الاحتلال نفسه إلصاقها بالفلسطينيين عمومًا، وتشويههم وإظهارهم متخلفين بعكس الواقع الذي يصفع الاحتلال يوميًّا.
لكن ما لم يرد الاحتلال وما يسمى وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية فهمه هو: لماذا يتحول الأطفال الفلسطينيون إلى شوكة في حلق هذا الاحتلال؟، وما الذي يتوقعه احتلال على هذا القدر من الوحشية من أطفال يشاهدون بأم أعينهم كل ما يرتكبه بحق أبناء شعبهم، وبحق آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وأخواتهم وأصدقائهم، ومزروعاتهم وممتلكاتهم وبيوتهم حتى ألعابهم؟!
ألم يسأل الاحتلال ومعدو هذا التقرير أنفسهم عن السبب والمسبب لجعل الطفل الفلسطيني يكفر بالاحتلال، وينشد حقه بالحرية والعيش بكرامة مثله مثل أطفال العالم؟!، وإذا أراد الاحتلال سماع الجواب المقنع فلينه احتلاله وحصاره واستيطانه ويطلق سراح الأسرى ويعترف بحق العودة، بل عليه تعويض أطفالنا عن كل حياتهم التي عاشوها من رعب وخوف وحرمان، لأن أغلبهم إما أبواه أسيران أو شهيدان أو مصابان، أو هدم منزلهم وهجروا أو أبعدوا نفيًا ... إلخ، فليعترف الاحتلال في تقريره أنه هو السبب والمسبب لحالة الطفل الفلسطيني عندما يتصدى لدباباته بصدر عار أو يصفعه على ظلمه كما فعلت عهد.
"عهد" لن تكون الطفلة الوحيدة في التصدي لجنود الاحتلال والمستوطنين، بل سيكون هناك مليون عهد وعهد سيتصدون للجنود والمستوطنين ببسالتهم وقوتهم في الدفاع عن حقهم في العيش بأمان في أرضهم حتى دحر الاحتلال واقتلاعه من أرضنا الفلسطينية.