في هذه الأيام تشتد الضغوط على قطاع غزة بصورة خاصة، وقد بدأت المؤسسات الصحية تغلق أبوابها بسبب نفاد الوقود، وأصبحت المياه في غالبيتها العظمى غير صالحة للشرب، وتتزايد البطالة تزايدًا خطيرًا، وأصبح نحو مليوني فلسطيني يختنقون بسبب كل هذه الممارسات والحصار الحاقد الذي يفرضه الاحتلال بصورة خاصة.
نعرف جيدًا ما يريده الاحتلال وحماته في واشنطن من الحصار وخنق السكان في قطاع غزة، إلى درجة عدم وجود حاجة لعرض ذلك في هذا المقال، فماذا ننتظر من احتلال مجرم لا يرحم، وإدارة أمريكية تشد على يده وتعينه وتقدم له المساعدات الاقتصادية والسياسية والعسكرية ليستمر في الاحتلال والحصار والاستيطان لتركيع شعبنا الصامد؟!
لكن ما يطرح التساؤل والتعجب أسباب وضع الإجراءات العقابية واستمرارها من جهة، وعدم تحقيق المصالحة من جهة أخرى، مع الترابط بين الأمرين.
إلى من يلجأ أهالي قطاع غزة؟، سؤال بحاجة إلى مراجعة صحيحة من أصحاب الضمائر الحية بالوقوف عند المسؤولية، لا أقول المسؤولية الوطنية فقط, بل أيضًا المسؤولية الإنسانية، فكل شيء لديهم تبدَّل إلى الأسوأ، خصوصًا مع اشتداد حلقات الحصار المتواصل منذ أكثر من أحد عشر خريفًا، في حين لم توجد أيُّ مؤشرات على نوايا ذاتية حقيقية ولم تبذل أي جهود دولية فعلية، للفكاك منه، ولا يعقل ممارسة عقاب جماعي على القطاع وجعله ضحية التجاذبات، فنتيجة ذلك انهيار القطاع وانفجاره، لاسيما أن المخططات الأمريكية الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية تسابق الزمن في محاولة لاقتناص الفرصة التاريخية التي تلوح لكيان الاحتلال، في ظل التوهان والانقسام الفلسطينيين وتردي الوضع العربي، إلى درجة أن تتصور بعض الدول العربية أن كيان الاحتلال يمكن أن يكون صديقًا وحليفًا مع أنه يبتلع القدس، ويواصل الضم الزاحف للأرض، ويعمل على تصفية قضية اللاجئين، وينفض الغبار عن مخططاته لاستكمال إبادة وتهجير الشعب الفلسطيني، وطمس هويته الوطنية، وتبديد حركته الوطنية ومكتسباته التي تحققت بنضال أسطوري مديد ومستمر في كل الظروف، وهو قادر _إذا توافرت المتطلبات الضرورية_ على الاستمرار حتى إنجاز أهدافه وحقوقه الوطنية.
وفي هذا الواقع المتأزم لم تنقطع آمال الغزيين في تغيير أحوالهم نحو الأفضل، فهم يخيطون جراحهم وآلامهم بمؤازرة بعضهم بعضًا، ويساعد المقتدر المحتاج والفقير، مع شح وضنك الحياة، فقد أطلقوا حملة "سامح تؤجر"، الخاصة بإعفاء أصحاب الديون، وإن شئت فهناك المزيد والمزيد من الأفكار التي انتشرت سريعًا بينهم، دلالة على ضميرهم الحي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى ستستمر أوضاع أهالي قطاع غزة التي تزداد يومًا بعد يوم سوءًا، في ظل الحصار المفروض، والانقسام المستمر، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية، وأزمة (أونروا) المالية التي افتعلتها أمريكا ... إلخ؟!
قطاع غزة على وشك الانهيار، إن لم يكن قد بدأ ينهار فعلًا، نتيجة أسباب كثيرة، أهمها الحصار الإسرائيلي الذي حوّل القطاع إلى أكبر سجن جماعي عبر التاريخ، نتيجة السياسة التي تعتمدها الحكومة الإسرائيلية من دون أن تواجه برد عالمي مناسب، وعبّر عنها أخيرًا وزير الحرب أفيغدور ليبرمان بوقاحة منقطعة النظير بقوله: "إنّ رأس غزة يجب أن يبقى طافيًا فوق الماء"، في دلالة على أن كيان الاحتلال يريد عقاب غزة، لكنه في الوقت نفسه لا يريدها أن تغرق حتى لا تنفجر في وجهه، ولا أن تصل إلى بر الأمان حتى لا تقف على قدميها وتستعيد دورها في الكفاح ضده، ولكي تبقى تحت رحمته، بهدف كسر إرادتها حتى ترفع الراية البيضاء.