في المصاعد الكهربائية للطوابق العليا، وفي المواقف العامة لمحطات المترو، وفي بعض المكاتب التي يطول فيها الانتظار، تضع المؤسسات عدة مرايا، وذلك لإشغال الإنسان في النظر إلى نفسه، ولا يملّ الانتظار.
وفي فلسطين تضع القيادة الفلسطينية العديد من المرايا الوهمية على زوايا الحياة اليومية، كي يظهر الواقع الفلسطيني بأشكال مختلفة، وكي ينظر الناس إلى حالهم، وينشغلوا بأحوالهم، بعيدًا عن طموحاتهم السياسية، فتارة ينشغل الشعب الفلسطيني بأسباب الانقسام، وأخرى ينشغل بلقاءات المصالحة، وثالثة ينشغل بزيارة وفد حركة فتح لغزة، أو زيارة الحكومة، ورابعة ينشغل بانعقاد المجلس المركزي، ثم بانتظار كلمة الرئيس في مجلس الأمن، وأخرى في انتظار كلمة رئيس حركة حماس، وأخرى في انتظار الراتب، والخصم من الراتب، وفي انتظار وصول الكهرباء، ومرة ينشغل الناس في المعابر، وأخرى في التقاعد، وهكذا حتى يعبر الوقت دون أن يشعر الفلسطينيون بملل الانتظار، ودون أن يطالب الفلسطينيون بحقوقهم السياسية، وأقل شيء المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية تجاوز فيها السيد عباس ثلاثة أضعاف مدته القانونية
في الضفة الغربية ينتظرون على الحواجز الإسرائيلية، وينتظرون التصاريح للعمل في المستوطنات الإسرائيلية، وينتظرون موعد اقتحام الجيش الصهيوني للمدن الفلسطينية، وموعد مقابلة الإدارة المدنية، وينتظرون مع القيادة الفلسطينية الإعلان النهائي عن صفقة القرن، حتى يروا في مرايا الخطة الأمريكية صورة مستقبلهم السياسي.
وفي غزة ينتظرون نتائج المصالحة، وينتظرون زيارة الحكومة، وينتظرون موعد صرف الراتب، وينتظرون موعد القصف الإسرائيلي، ويحسبون لموعد حرب جديدة أو فرج كبير، يمكنهم من رؤية صورتهم السياسية في مرايا مشروع دولة غزة.
وما بين انتظار الضفة الغربية وانتظار غزة لا يشهد الفلسطينيون إلا ضياع الأرض في الضفة وإنهاك الإنسان في غزة، وفي الحالتين لا رابح من التحديق في المرايا الكارثية إلا الكيان الصهيوني، الذي يضع مع كل مستوطنة المزيد من المرايا في زوايا الواقع الفلسطيني بهدف استلاب الأرض وتفريغ الإنسان من انتمائه لوطنه.
فإلى متى الانتظار أيها الفلسطينيون؟ وماذا تنتظرون؟
ومن هي الجهة الفلسطينية المسؤولة أخلاقيًا وسياسيًا عن حالة الانتظار التي يعيشها شعبنا الفلسطيني؟ وماذا تكسب من وراء ذلك؟
وما العمل كي نكسر مرايا الانتظار، ونهشم هذا الواقع المخادع، الذي نعيش في تحت سلطة بلا سلطة، وتحت قيادة لا تقود، وتحت سماء لا تمطر علينا إلا المزيد من الجنود الصهاينة المدججين بالإيديولوجيا، والمستوطنين الغاصبين، والمزيد من الحصار والمتآمرين؟
ملاحظة: كان القائد أبو عمار يردد في كل مناسبة: نحن شعب الجبارين.
أما اليوم، فالشعب يردد خلف القيادة: نحن شعب المنتظرين!!