داخل أروقة قسم العناية المركّزة في مستشفى النصر للأطفال بغزة، ترتفع أصوات أجهزة التنفس الاصطناعي الموصولة بأجساد الأطفال الأبرياء الذين لم يمضِ على إبصارهم نور الحياة سوى 30 يوماً فأكثر.
الأسرّة متلاصقة بجانب بعضها البعض، في مشهد يصف حالة الاكتظاظ التي وصل إليها القسم، بعد تحويل مرضى مستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفال إليه، جراء إغلاق القسم نتيجة نفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية.
حالة من الإرباك وعدم الاستقرار بين صفوف الكادر الطبي العامل في القسم، نظراً لزيادة أعداد الأطفال المرضى على الأسرة، مما يضاعف الأعباء الملقاة على عاتقهم تجاه هؤلاء الأطفال.
وقال رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى النصر للأطفال د. رائد مهدي: إنهم يعملون حالياً في ظروف استثنائية خارجة عن قدراتهم في الوضع الطبيعي، بعد إغلاق قسم العناية في مستشفى الدرّة وتحويل مرضاه إليهم.
وأضاف مهدي لـ "فلسطين": "أزمة نفاد الوقود أجبرت قسم العناية المركزّة على استقبال مرضى جدد تفوق قدرته الاستيعابية التي تتسع لستة أسرّة فقط، لكنها وصلت الآن إلى 10 أسرّة، الأمر الذي يعمّق الأزمة وينعكس سلباً على الخدمات الطبية المُقدمة لهم".
وأكد أن زيادة أعداد المرضى يؤثر سلبا على الخدمات المقدمة لهؤلاء الأطفال، لاسيما أنهم يحتاجون إلى رعاية مستمرة على مدار الساعة، لافتاً إلى أن استيعاب القسم تضاعف بنسبة 50%.
وأوضح مهدي، أن الانعكاسات السلبية لاكتظاظ أعداد المرضى يشكّل عبئاً على البنية التحتية، والإمدادات الدوائية، إضافة إلى عدم القدرة على السيطرة على العدوى التي قد تنتشر بين الأطفال المرضى.
الحكم بالموت
من جهته، أكد مدير مستشفى النصر للأطفال د. مصطفى الكحلوت، أن المستشفى يعاني من أزمات عدة كباقي مستشفيات قطاع غزة.
وأوضح الكحلوت لصحيفة "فلسطين"، أن الأزمة الأساسية بدأت بنفاد المخزون الاستراتيجي لكثير من الأدوية المهمة لإنقاذ حياة المرضى، لاسيما الأطفال منهم.
ويضاف إلى ذلك، والكلام للكحلوت، الأزمة القديمة الحديثة، المتعلقة في الوقود في ظل معاناة قطاع غزة من مشكلة الكهرباء، التي تصل في أحسن حالاتها إلى 6 ساعات وصل، مما يجعل الاعتماد الأساسي للمستشفى على مولدات الكهرباء.
وعّد توقف مولدات الكهرباء في المستشفى "كارثة للأطفال، وهو بمثابة الحكم عليهم بالموت"، مشيراً إلى أن مستشفى "النصر" تضم أقسام الحضانة والعناية المركزة التي تضم أطفالاً بحاجة لأجهزة التنفس الاصطناعي على مدار الساعة.
وبيّن أن قسم العناية المركزّة استقبل الحالات المحوّلة من مستشفى الدرة، وهي الخطوة الأولى، متوقعاً ارتفاع عدد حالات المرضى خلال الأيام المقبلة في ظل استمرار أزمة الوقود في "الدرة".
ونبّه أن اكتظاظ المرضى في القسم يزيد من نسبة انتشار العدوى بينهم ويقلل جودة الخدمة المُقدمة لهم، "وهو أمر مخالف لكل المعايير الدولية".
وأكد الكحلوت، أن الكوادر الطبية لديه "غير كافية"، لذلك جرى استقبال المرضى المحولين مع كوادرهم الطبية، في محاولة منهم لتقديم الخدمات لو بالحد الأدنى.
وذكر أن المستشفى يستقبل يومياً قرابة 200 حالة مرضية، ويتراوح معدل دخول الأطفال للأقسام الداخلية (المبيت) 15 طفلاً يومياً.
لكنّه رجّح أن يتضاعف العدد بعد تحويل الأطفال المرضى إلى 400 يومياً، ويصل معدل الدخول للأقسام الداخلية حوالي 30 مريضاً.
مستشفى الاندونيسي
وخلال جولته توجه مراسل "فلسطين" إلى المستشفى الاندونيسي شمال قطاع غزة، الذي جرى تحويل مرضى مستشفى "بيت حانون" إليه، بعد إغلاقه بشكل كامل، جراء نفاد الوقود.
وقال رئيس العلاقات العامة في المستشفى معين المصري: إن "الاندونيسي" مضطر لاستقبال كل الحالات الطارئة الوافدة إليه، سواء من بيت حانون وغيره من المناطق، كونه المستشفى الأكبر في محافظة الشمال.
وأفاد بأن المستشفى استقبل عدداً من الحالات المرضية من مستشفى بيت حانون، "لكن دون ذكر احصائية رسمية حتى الآن"، مشيراً إلى أن هذا الأمر يؤثر على الخدمات الطبية للمواطنين.
ولفت إلى أن المستشفى قلّص العمليات المجدولة إلى النصف، نتيجة ضغط العمل، وقلة الامكانيات والمستلزمات الطبية والأدوية المتوفرة لديهم، مؤكداً أن اغلاق مستشفى بيت حانون سيشكل عبئاً إضافياً على المستشفى.
وذكر أن المستشفى يستقبل 350- 400 حالة يومياً و100 حالة دخول (مبيت)، مرجحاً أن يستقبل قرابة 450 حالة يومياً في حال قدوم مرضى "بيت حانون".
وبيّن أن المستشفى يعاني من نقص كبير في الأدوية كغيره من المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، منوهاً إلى أنه سيتم الاستعانة بالكادر الطبي البشري في مستشفى بيت حانون عند ارتفاع أعداد المرضى الوافدين.