يقول المثل: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك"، وهو ما ينطبق علينا الشعب الفلسطيني المحتل والمحاصر والمشتت، وأضيف إلى كل هذه المصائب التي بدأت بالنكبة ثم تلتها النكسة ثم الانقسام والمراوحة في المكان بشأن المصالحة، والتوحد في مواجهة الخطر الدائم سيتحمل مسؤوليته الجميع، خاصة أن التاريخ لن يرحم من توانى في تحقيق الوحدة.
ففي كل يوم تطالعنا الأنباء بأن هناك شيئًا جديدًا يحاك على القضية الفلسطينية، تحت مسميات إنهاء الصراع في المنطقة والالتفات إلى ما هو أهم من القضية الفلسطينية التي تُصفّى تحت شعار حلها، بحرمان شعبنا حقوقه الوطنية الثابتة في الحرية والاستقلال والتخلص من الاحتلال البغيض.
فالممارسات الإسرائيلية تسير على الأرض على قدم وساق، من تكثيف للاستيطان، وتهويد للقدس، ومصادرة للأراضي، وإصدار القوانين التي تشرع الاستيطان، وتضغط على أبناء شعبنا من أجل الرحيل عن بلادهم، ليتسنى لهم إقامة دولة "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات، وكذلك إجراءات تحويل التجمعات السكانية لشعبنا في الضفة إلى معازل محاطة بالمستوطنات، وغيرها من ممارسات وانتهاكات لا تبشر بالخير، وكلها على حساب شعبنا وقضيته الوطنية العادلة.
في ظل هذه المعطيات، والوقائع التي يفرضها الاحتلال، وتستر الإدارة الامريكية عليه وإعطائه الضوء الأخضر للاستمرار في سياسة الاستيطان والتهويد والضم والتهجير؛ لم يعد ممكنًا الحديث عن المفاوضات، وأما "صفقة القرن" التي روج _ولا يزال يروج لها_ بعض فتبين مما سرب من بنود أن هدفها ليس حل قضية شعبنا العادلة، بل العمل على تصفيتها خطوة وراء خطوة، بدأت باعتراف الإدارة الأمريكية الحالية بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال، ثم محاولات إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ومحاولات تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، مقدمة لتصفية حق العودة، وليس كما تدعي هالي أن الهدف هو الضغط على السياسيين الفلسطينيين للرجوع إلى المفاوضات، بعد القرار الأمريكي بشأن القدس وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وعدّ الكونغرس الأمريكي المنظمة إرهابية، حسب زعمه، ولم يخجل من نفسه ترامب وأعلنها مجددًا في منتدى دافوس، قائلًا: "إن الولايات المتحدة أزالت قضية القدس عن الطاولة"، وبعد كل هذا لم يبق أمامنا إلا أن نسأل أنفسنا بكل صدق هذا السؤال البسيط: ماذا ننتظر؟!
لقد استبشر شعبنا خيرًا باتفاق المصالحة الذي وقع في القاهرة، واعتقدنا أن الظروف باتت ناضجة لإنهاء الانقسام الأسود، والتوحد لإفشال كل المخططات التصفوية التي تحاك الآن أكثر من أي وقت مضى على القضية الفلسطينية، نحن مازلنا على قارعة الطريق ننتظر الحلول من الإدارة الأمريكية التي وجهت ضربتها القاضية إلى القضية الفلسطينية بوعدها المشؤوم "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، بجعل القدس عاصمة لكيان الاحتلال، والالتفاف على حق العودة بشطبه من قاموس الأمم المتحدة.
لقد انتظرنا أكثر من عشرين سنة، وانزلقنا إلى نفق المفاوضات وعبث الاتفاقيات والمبادرات، ولم نحقق أي تقدم، بل العكس، قدمنا تنازلات كثيرة للاحتلال، وما تمسكنا به من قضايا رحلت إلى أجل غير مسمى بقصد تصفيتها من مضمونها، أعني ما عرف بالقضايا الجوهرية: القدس، واللاجئين والمستوطنات والحدود، والمياه، والترتيبات الأمنية ... إلخ.
من جانب آخر كان للانقسام الفلسطيني دور كبير فيما وصلنا إليه، فلو كنا متحدين لما تجرأ الاحتلال على تحقيق أحلامه، فلنطوِ صفحة الانقسام السوداء، ونواجه بيد واحدة مخططات تصفية قضيتنا.