مثل المهندس عماد العلمي حالة استثنائية فريدة في البذل والعطاء والزهد والنزاهة والقيادة والصبر ليس فقط على صعيد حركة حماس، وإنما على المستوى الوطني الفلسطيني.
أبو همام الذي ولد في غزة عام 1956 ينتسب إلى عائلة شريفة عريقة لم يغره رغد العيش عن العمل لأجل وطنه المحتل وشعبه المنكوب، من جيل المؤسسين لحماس في سبعينيات القرن الماضي، اعتقله الاحتلال مرات عدة لنشاطه في الانتفاضة، وأبعده عام 1991 لعشرين عامًا، ثم عاد إلى غزة التي يعشقها مرابطا لم يغير قناعاته ضغط الواقع أو ظروف المرحلة، انتخب عام 2013 نائبًا لرئيس حماس، وأصيب وبترت قدمه خلال العدوان الإسرائيلي 2014، كل ذلك لم يجبره على التراجع خطوة واحدة عن طريق المقاوم، بل بالعكس ازداد صمودا وعنفوانا في مقاومة الاحتلال وهو الذي تولى مرات قيادة العمل الأمني والعسكري لحماس.
تميز الرجل الذي تربى على يد الشيخ الشهيد أحمد ياسين بصمت المجاهدين وعبادة الزاهدين، أحيا الإسلام وفلسطين في نفوس مئات الشبان الذين حملوا على أكتافهم بناء حركة وطنية إسلامية أقضت مضاجع الاحتلال، تنقل المهندس بين شوارع غزة يدعو إلى الله ويربي الأجيال ويبث الأمل في القلوب بنصر فلسطين، صاحب خلق قويم وعقل رصين وهمة عالية وهيبة ووقار وفكر عميق، يجذبك بتواضعه الجم، وبسمة لا تفارق محياه، قمة في النقاء والطهارة، فارسا في كل الميادين، لا أبالغ إذا قلت كنت أراه رجلا من عهد الصحابة!!.
لم يسع يوما إلى الأضواء والشهرة أو الظهور الإعلامي، تلك كانت سجيته، قليل الكلام وإن تحدث ترى حكمة القائد وصواب الرؤية، ولا يعرف إلا كلمة الحق دون أن يكترث من غضب منها أو فرح لها، قائد غير عادي خسرته حماس وفلسطين في ظرف استثنائي تمر به قضيتنا الوطنية التي تحتاج إلى الحكماء والمخلصين.
أحد قادة انتفاضة الحجارة الذي يعرفه ويقدره أهل غزة كما يحبه اللاجئون في مخيمات الصمود في لبنان وسوريا، تنقل القائد في عمله بين بيروت والسودان والأردن، عمل سفيرا لحماس في سوريا وإيران، وبنى منظومة علاقات وطنية وخارجية واسعة لحركته، احتضن بيته مئات الفلسطينيين القادمين إلى سوريا.
رحل أمير حماس وعمادها في البناء والتنظيم والعمل النقابي والمقاومة، عضو مكتبها السياسي وهو أكبر من المواقع والمناصب، صاحب البصمة في ترتيب العلاقة مع الفصائل والدولة المصرية والمضي بالمصالحة والمقاومة، وربما تكشف لنا قادم الأيام خبايا كثيرة من عمل وجهاد هذا الرجل الهمام.
وصيتنا لحماس بالسير على نهج أبي همام الثوري الزاهد والمقاوم العنيد، الواثق بنصر الله المتمسك بعهد الثوار والمجاهدين لتحرير فلسطين في زمن صفقة بيع القضية، ونحن نشهد أنه من الرجال المؤمنين الصادقين الذين ما بدلوا تبديلًا.