دعت نقابة المحامين الرئيس محمود عباس بوقف العمل بالقرار بقانون رقم 24 لسنة 2017 بشأن محكمة الجنايات الكبرى وفتح الحوار القانوني والمجتمعي بشأنه.
وناشدت النقابة في برقية لها الأربعاء، الرئيس عباس بضرورة إصدار مرسوم رئاسي بوقف إنفاذ القرار الذي سبق أن تم إلغائه.
وقدمت النقابة للرئيس المخالفات الجوهرية على مضمون هذا القرار بقانون والتي ينتهك ضمانات الحق في المحاكمة العادلة وتعيق حق الدفاع الذي ينهض به المحامون خلال مراحل المحاكمة مؤكدة مشاطرة المجتمع المدني فيها.
وقالت إن تشكيل محكمة الجنايات الكبرى بقرار بقانون مخالفٌ بحد ذاته لأحكام القانون الأساسي.
وأضافت أن القرار ينطوي على اعتداء صارخ على صلاحيات القضاء واستقلاله، حيث منح النائب العام صلاحية طلب انعقاد المحكمة في أي من محافظات الوطن وعلى نحو ملزم.
وقدمت الرسالة التحفظات التالية:
أولا: تم إجراء تعديلات على القرار بقانون بعد توقيعه وإصداره من فخامتكم من قبل ديوان الفتوى والتشريع حيث تم حذف المادة الأولى من القرار بقانون والتي ترتب عليها اختلال مواد الإحالة في نص المادة 7 والتي تحيل للمادة 9 التي تغيرت بالتعديل لتصبح في الترتيب المادة 8، وبالتالي أسقطت ضمانات المحاكمة العادلة التي نصت عليها مادة الإحالة، حيث أن إجراء التعديل على القرار بقانون دون مصادقة فخامتكم يبطل القرار بقانون من الناحية الدستورية.
ثانيا: إن المبررات التي ساقتها مذكرته التفسيرية بشأن حل إشكالية طول أمد التقاضي وعدم وجود قضاة متخصصين بدعاوى الجنايات الخطرة لا أساس لها، وذلك لأن تفريغ تلك الدعاوى من أمام محاكم البداية وإحالتها إلى محكمة الجنايات الكبرى من شأنه أن يراكم الدعاوى أمامها ويزيد من الاختناق القضائي ويخل بحسن سير العدالة لا سيما أن تشكيل المحكمة من ثلاث هيئات ستنظر على وجه السرعة في آلاف القضايا المحولة إليها والتي كانت تنظر أمام عدد كبير من الهيئات في محاكم البداية والصلح، علاوة على أن نصوصه لا تتضمن أية أسس أو معايير بشأن العضوية في المحكمة بما يتناقض مع الادعاء المتعلق بالحاجة إلى قضاة متخصصين، ويتناقض مع ما نص عليه القرار بقانون بشأن تشكيل المحكمة من قضاة لا تقل درجتهم عن قاضي بداية، ما يعني أن التشكيل سيكون من القضاة العاملين أنفسهم، خلافاً لما ورد في مذكرته التفسيرية، وفي المقابل فإنه يشكك في كفاءة قضاة البداية الذين فصلوا بآلاف القضايا الجنائية، وبالتالي لا يوجد أي مبرر أو ضرورة تستدعي إقراره في هذه المرحلة.
ثالثا: إن تشكيل محكمة الجنايات الكبرى بقرار بقانون مخالفٌ بحد ذاته لأحكام القانون الأساسي الذي نص صراحة في المادة (97) على أن يحدد "القانون" طريقة تشكيل المحاكم واختصاصاتها، وحيث أن المشرع الدستوري قد أسند تشكيل المحاكم واختصاصاتها لقانون أصيل يصدر عن السلطة التشريعية فلا يجوز أن تُشكل بتشريع استثنائي (قرار بقانون) خلافاً لإرادة المشرع الدستوري، وبالتالي فإن تشكيل هذه المحكمة إنما يتم بقانون صادر عن البرلمان يعدل بمقتضاه قانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم النظامية باستحداث هذه المحكمة إن كان لها مقتضى.
رابعا: ينطوي القرار بقانون على اعتداء صارخ على صلاحيات القضاء واستقلاله، حيث منح النائب العام صلاحية طلب انعقاد المحكمة في أي من محافظات الوطن وعلى نحو ملزم (مادة 2)، بما يشكل انتهاكاً لأحكام قانون السلطة القضائية وقانون تشكيل المحاكم النظامية اللذان ينيطا قواعد الاختصاص المكاني والحالة تلك برئيس المحكمة العليا. والحال كذلك؛ بشأن صلاحية النائب العام بطلب نقل الدعوى من الهيئة المختصة بنظرها إلى هيئة أخرى من ذات الدرجة بما يشمل مرحلة التحقيق (مادة 15) بما يشكل اعتداءً على صلاحيات القضاء واستقلاله، وتجاوزاً لدور النيابة العامة باعتبارها خصم في الدعوى الجزائية، والخصم لا يختار قاضيه، كما أن شمول طلب نقل الدعوى "مرحلة التحقيق" ينسف قواعد الاختصاص المكاني الواردة في قانون الإجراءات الجزائية.
خامسا: إن الاختصاصات الواسعة التي منحت لمحكمة الجنايات الكبرى وشملت الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي (مادة 5) تطرح تساؤلات حول حقيقة دور تلك المحكمة في المرحلة القادمة، مع التأكيد على أن تلك الجرائم واسعة وفضفاضة، وتنطوي على مساس بالحقوق والحريات وبخاصة حرية التعبير عن الرأي؛ من قبيل جريمة إضعاف الشعور القومي، وإذاعة أنباء تنال من هيبة الدولة، وإذاعة أنباء توهن نفسية الأمة، وجريمة إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية وغيرها، وتشمل الجرائم الإلكترونية، وهي مخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وبخاصة المتعلقة بحرية التعبير عن الرأي بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القرار بقانون ينتهك ضمانات المحاكمة العادلة، وأن عدداً من تلك الجرائم "جنحوية" ولا تندرج أساساً ضمن اختصاص المحكمة، ووفقا لقواعد الاختصاص القضائي فإن الذي يحدد اختصاص المحكمة وفقا لمبدأ القاضي الطبيعي هو مدة العقوبة وليس نوع الجريمة كأصل عام.
سادسا: يمنح القرار بقانون النيابة العامة صلاحيات واسعة ومفتوحة تخولها اتخاذ كافة الإجراءات التحفظية اللازمة والمتعلقة بالواقعة خلال مباشرتها التحقيق الابتدائي (مادة 6) ودون توضيح لطبيعة تلك الإجراءات، وحدودها الزمنية، ودون أية ضمانات، ودون إشراف قضائي، وهي تشمل وفقاً للنص الفضفاض الأشخاص والأموال، وهذا النص يخول النيابة العامة صلاحيات إصدار أوامر المنع من السفر والإدراج على قوائم ترقب الوصول على نحو مفتوح ودون إشراف قضائي، بما ينتهك المعايير الدولية والتشريعات الفلسطينية ذات الصلة.
سابعا: يمنح القرار بقانون النيابة العامة صلاحية توقيف المتهم بعد استجوابه لمدة أربعة أيام (مادة 7) بما يشكل تراجعاً عن ضمانات المتهم بموجب قانون الإجراءات الجزائية الذي حددها بثمان وأربعين ساعة قبل العرض على القضاء، كما ويشكل هذا النص انتهاكاً لأحكام المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بالاحتجاز التعسفي والذي وقعت عليه دولة فلسطين، حيث أكدت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في التعليق العام رقم (35) بالنص الصريح على أن مدة الثماني وأربعين ساعة تكفي لنقل الفرد والتحضير لجلسة استماع في المحكمة.
ثامنا: ينتهك القرار بقانون ضمانات المتهم في مرحلة التحقيق بالسماح لوكيل النيابة العامة باستجواب المتهم قبل دعوة محاميه في حالات الضرورة والاستعجال والخوف من ضياع الأدلة (مادة 9) بما يشكل انتهاكاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وبخاصة قرار مجلس حقوق الإنسان رقم (13/19) الذي أكد على حق المتهم منذ لحظة حرمانه من حريته بالاستعانة بمحام، كما وأكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أن ضرراً لا يمكن تداركه يمكن أن يلحق بحقوق الدفاع في مثل تلك الأحوال (سالدوز ضد تركيا 36391/20) فيما أكدت المبادئ الدولية الأساسية بشأن دور المحامين 1990 على حق الاستعانة بمحام في جميع مراحل الإجراءات الجنائية.
تاسعا: ينتهك القرار بقانون قرينة البراءة، ويتعامل مع التوقيف باعتباره عقوبة وليس تدبيراً احترازياً استثنائياً، وذلك بالسماح للنائب العام أو أحد مساعديه بإعادة توقيف المتهم الذي جرى الإفراج عنه إذا ظهرت أدلة جديدة ضده على ذات الفعل الجرمي (مادة 10)، الأمر الذي من شأنه أن يجعل مدة التوقيف مفتوحة مع إمكانية تجديدها المتكرر بعد الإفراج عن المتهم تحت عنوان ظهور أدلة جديدة، كما ومنح النيابة العامة صلاحية إصدار أوامر الإفراج في مرحلة التحقيق بأكملها، وبالتالي فإن النص يشكل انتقاصا من الإجراءات والضمانات الواردة بقانون الإجراءات الجزائية، ويمنح النيابة العامة صلاحيات كبيرة على حساب القضاء.
عاشرا: ينتهك القرار بقانون مبدأ التقاضي على درجتين، ويحرم المتهم من درجة من درجات التقاضي، بالنص على أن تُنظر الطعون الاستئنافية "تدقيقاً" فيما عدا الأحكام الصادرة بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة (المادة 18) الأمر الذي يمس بشكل خطير بضمانات المحاكمة العادلة، ويحيل محكمة الاستئناف من محكمة موضوع إلى محكمة قانون، خلافاً لقانون الإجراءات الجزائية والمعايير الدولية وبخاصة التعليق العام رقم (32) على المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ضمانات المحاكمة العادلة) حيث أكدت اللجنة بأن إجراء الاستئناف مرافعة يشكل ضمانة أساسية بالغة الأهمية للعدالة في صالح المتهم، وللحفاظ على ثقة الجمهور بنظام العدالة.
حادي عشر: ينتهك القرار بقانون قرينة البراءة باعتبار أن الأحكام الصادرة عن محكمة الجنايات الكبرى مشمولة بالنفاذ المعجل (المادة 16/3) أي الشروع في تنفيذ العقوبة السالبة للحرية قبل صيرورة الحكم الجزائي حكما مبرما بالرغم من قابليته للطعن، أي بمعنى معاقبة المتهم قبل انتهاء محاكمته خلافا لأبسط ضمانات المحاكمة العادلة.
ثاني عشر: ينتهك القرار بقانون الحق في الوصول إلى العدالة ويعيق عمل المحامين في الدفاع باعتبار انعقاد محكمة الجنايات الكبرى في ثلاثة محافظات ونقل الملفات المنظورة أمام المحاكم المختصة في المحافظات سيعيق وصول المحامين العاملين في المحافظات إلى هذه المحاكم ويكبدهم مصاريف إضافية تؤدي بالنتيجة إلى رفع تكاليف الخدمات القانونية على عاتق المتهمين، مما سيؤدي بالنتيجة إلى العزوف عن توكيل المحامين واللجوء إلى المساعدات القانونية المجانية لغير مستحقيها بسبب الفقر وخلافا لمعايير المساعدة القانونية، الأمر الذي سيمس بمصادر دخل المحامين، حيث منحت المادة (9) من القرار بقانون للنيابة العامة ندب محام للمتهم دون التحقق من مقدرته المالية على توكيل محام وحتى ودون تنظيم آلية لدفع تكاليف المساعدة القانونية المجانية من الخزينة العامة.
ثالث عشر: إن من أهم العوامل التي تؤدي إلى الاختناق القضائي في القضايا الجزائية هي نقص عدد القضاة وغياب آليات فاعلة في إحضار الشهود وبالذات شهود النيابة العامة بالإضافة لتقطع التواصل الأمني بين المحافظات بسبب الإجراءات الاحتلالية، وبالإضافة إلى ضعف القدرات اللوجستية ونقص الكادر البشري لدى الشرطة القضائية، وأن هذه العوامل لم تتغير وأنها ستؤدي إلى اختناق قضائي أمام محكمة الجنايات الكبرى وهذا الأمر واقع أمام محكمة جرائم الفساد التي أنشأت لتسريع الفصل في قضايا الفساد، وأن القضايا المنظورة أمام محكمة جرائم الفساد تستغرق سنوات طويلة ولم يتم التغلب على هذه العوامل أمامها وكيف سيكون الحال عند إحالة آلاف الملفات الجنائية والصلحية إلى محكمة الجنايات الكبرى.
رابع عشر: الإجراءات الجزائية الواردة في القرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى تتعارض مع تلك الواردة في قانون الإجراءات الجزائية النافذ وبالتالي ستخلق حالة تمييز في المعاملة بين المتهمين في ضمانات المحاكمة العادلة بما ينتهك نص المادة (9) من القانون الأساسي بأن الفلسطينيون متساوون أمام القانون والقضاء، وسيخلق تضارب في الاختصاص بين محكمتي استئناف رام الله والقدس بسبب تشكيل وانعقاد هيئات محكمة الجنايات الكبرى في الشمال والجنوب والوسط للمحافظات الشمالية.
خامس عشر: تنفيذ القرار بقانون محكمة الجنايات الكبرى وعدم اعتماده من المجلس التشريعي في أول دورة انعقاد وزوال ما كان له من قوة القانون وفقا لنص المادة 43 من القانون الأساسي، سيؤدي ولسبق عدم إقرار ذات القرار بقانون من المجلس التشريعي إلى تكدس وتدوير القضايا المنظورة أمام محكمة الجنايات الكبرى من جديد وهذا ما سيفاقم الاختناق القضائي أمام المحاكم.
سادس عشر: القرار بقانون بشأن محكمة الجنايات الكبرى لم تستشر فيه نقابة المحامين باعتبارها شريكا أساسيا في إقامة العدل، وباعتبار المحامين هم أعوان القضاء في إنفاذ هذا القرار بقانون، ولم تأخذ ملاحظاتها عليه ولا على جدواه ومبرراته.
وعليه، فإننا في مجلس نقابة المحامين ومن منطلق الواجب القانوني الملقى على عاتق النقابة بحماية سيادة القانون والحرص على الحريات العامة وانسجاما مع المعايير الدولية التي التزمت بها دولة فلسطين وبتوجيهات شخصية من فخامتكم، نتوجه لفخامتكم بوقف إنفاذ القرار بقانون رقم 24 لسنة 2017، وتكليف مجلس الوزراء بفتح حوار قانوني ومجتمعي حول جدوى ومبررات إصدار مثل هذا القرار بقانون في ظل الأوضاع والتهديدات المحدقة بقضيتنا الوطنية والمواجهة الشعبية الرافضة للانتقاص من حقوق شعبنا غير القابلة للتصرف في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".