حكايتنا مع مايك بنس، تبدو أسوأ من مثيلتها مع ترامب، وإن كان الثاني هو اختيار الأول، والوفيّ لبرنامجه في دعم الكيان الصهيوني.
الاحتفال الذي حظي به بنس في الكيان الصهيوني، يعكس حجم الآمال التي يعقدها الصهاينة على الرجل الذي يستكمل حلقة الصهينة في فريق ترامب؛ بجانب الصهر العزيز، اليهودي الصهيوني جاريد كوشنر، وزميله الأكثر تطرفا جيسون جرينبلات، بجانب السفير الأمريكي، الصهيوني المتطرف أيضا؛ ديفيد فريدمان.
الأخيرون يمثلون العقيدة الصهيونية في طبعتها التقليدية، لكن بنس يمثلها من الزاوية المسيحية، فهو من التيار المسيحي الإنجيلي الذي يرى في دعم الكيان الصهيوني، مقدمة لمعركة “هرمجدون”، وعودة المسيح المخلص، ونهاية الزمان، وهي عقيدة “لاسامية” في واقع حالها، لكنها بالنسبة للصهاينة محطة في اتجاه الحصول على الدعم اللامحدود، وحين يأتي موعد “هرمجدون” التي ستنتهي باتباع اليهود للمسيح، أو القتل، حسب رواية القوم، فلكل حادث حديث كما يقولون!!
وكما كان بن غوريون يسمي العقائد اليهودية “الأساطير المفيدة”، فإن ذلك ينطبق أيضا على عقيدة بنس، والتيار الذي يمثله، وهو ذاته الذي منح ترامب فرصة الفوز، وصعد وسيطر على الحزب الجمهوري من أيام جورج بوش (الابن)، وتأكدت سيطرته في فوز ترامب؛ خلافا للتوقعات، وهو ذات التيار الذي يتطرف ترامب في دعم دولة الاحتلال من أجل مجاملته، والإبقاء على دعمه.
ما ذكر أعلاه ليس تحليلا، فقد حفلت الصحافة الصهيونية خلال الأيام الثلاثة الماضية بتأكيده والتفصيل فيه، أعني البعد العقائدي في سلوك بنس حيال الكيان، بل الكشف عن أنه (بنس) كان العامل الأساسي في دفع ترامب نحو الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان، وهو سيكون أول مسؤول أمريكي يزور حائط البراق (المبكى بحسب اليهود) خلال وجوده في السلطة، وكان في الأصل ينوي عقد مؤتمره الصحفي هناك، لولا اعتراض حاخام الحائط، كما كُشف قبل أسابيع (الموعد السابق لزيارته قبل تأجيلها).
ولكن ما هو الهدف الأبرز لجولة بنس؟
المؤكد أن هذا الأمر لا يحتاج إلى تحليل، فالهدف واضح كل الوضوح، ممثلا في إعادة عجلة التفاوض من جديد، بهدف الدفع باتجاه “صفقة القرن” التي يتبناها، وصاغها كوشنر. وإذا كان تَحقُّق الهدف النهائي برسم التساؤل تبعا لصعوبة تمريره من قبل القيادة الفلسطينية، ومعها العرب، فإن إطلاق عملية سياسية تنسخ قصة القدس والاعتراف بها، كأنها لم تكن، واستعادة واشنطن لزمام المبادرة التفاوضية.. كل ذلك يشكل هدفا مرحليا، وبالتأكيد ستحضر قصة إيران والتحالف “السنّي” في مواجهتها في سياق التشجيع، وإن كانت الضغوط والترغيب والترهيب هي العنوان الذي سيتحقق من خلاله الهدف المطلوب، أو ينبغي أن يتحقق (موقع إسرائيلي كشف أمس عن “مرونة” لدى قيادة السلطة بشأن الدور الأمريكي، مشترطا ضمانات دولية!!).
تلك مصيبة كبرى في واقع الحال، فليس أمرا هامشيا أن يجري تجاوز قرار ترامب بشأن القدس، كأنه لم يكن. وهو يؤكد أن المدينة أصبحت عمليا خارج دائرة التفاوض، وهو أمر نعرفه تماما من قبل، لكن باعة أوهام التفاوض كانوا يتجاهلونه من أجل تكريس السلطة، كأنها محطة باتجاه دولة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 67.
هكذا يكون الصهاينة قد نجحوا في امتصاص ردة الفعل على قرار ترامب، فلا الانتفاضة الشاملة في الداخل الفلسطيني بدأت عمليا، ولا الموقف العربي تصلّب، ولا شك أن بؤس الثاني نابع من الأول، ما يعني أن المسؤولية الكبرى تبقى فلسطينية، وإن ساهم فيها بؤس الوضع العربي من دون شك.