لم يكن غريبًا ألا يكون نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، موضع ترحيب في فلسطين وأن يرفض شيخ الأزهر وبابا الأقباط استقباله وأن تلقى زيارته للأردن معارضة شعبية وكذا في مجلس النواب، وسط استمرار حالة الغضب في العالمين العربي والإسلامي بسبب إعلان ترامب المشؤوم، لأن نواياه كانت مبيتة بعدائه وعداء إدارة بلاده لشعبنا الفلسطيني من خلال خطابه في الكنيست الإسرائيلي وخلال محادثاته مع نتنياهو، وأورد في هذا الخطاب وخلال المحادثات سلسلة من الأقوال والعبارات والجمل التي لا تمت للتاريخ بصلة، بل إنها تحريف للتاريخ وإساءة كبيرة له ولبلاده وشعبه.
فقد صب بنس الزيت على النار وزاد من عمق الجرح بتصريحاته المستفزة للمشاعر بقوله: إن السفارة الأميركية ستنقل من "تل أبيب" إلى القدس قبل نهاية العام القادم، ونسب لنفسه شرفا عظيما أن يلقي خطابا في الكنيست من القدس عاصمة دولة الاحتلال، مدعيا أن اعتراف الرئيس الأميركي بالمدينة عاصمة للاحتلال جاء من أجل تقديم خدمة أفضل للولايات المتحدة، مدعيا أن القرار يخدم السلام على أكمل وجه، ولم يخجل من نفسه لقوله: "إن نضالنا هو نضالها أيضا وإن الولايات المتحدة لن تتنازل أبدا عن أمن دولة الاحتلال، وإن أي اتفاق سلام يجب أن يشمل قدرتها على الدفاع عن نفسها وبنفسها".
الأغرب من هذا وذاك تصريحاته التي ردد فيها التزام الإدارة الأميركية بالمضي قدما في جهود السلام تبدو منقطعة الصلة عن الواقع في الوقت الذي تحاول فيه الإدارة الأميركية إملاء مثل هذه المواقف المرفوضة فلسطينيا ودوليا عن الشعب الفلسطيني صاحب القضية وقيادته، وفي الوقت الذي أكد فيه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله، أن الحل الوحيد هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 وعاصمتها القدس وأكدا رفضهما لإعلان ترامب بشأن القدس.
والسؤال الجوهري بعد كل هذا الانحياز الامريكي للاحتلال؛ أي سلام هذا الذي تلتزم به الإدارة الأميركية في أعقاب الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال والعمل على نقل السفارة الأميركية من "تل أبيب" إلى القدس، شاطبة بذلك قضية القدس من على طاولة المفاوضات، وقدمته على طبق من ذهب للاحتلال على حساب شعبنا وأمتنا العربية والإسلامية؟!، فهذا القرار هو مماثل لوعد "بلفور" الذي أعطى من لا يملك بلادنا لمن لا يستحق.
إن هذا الانحياز الأعمى والتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي من جانب الإدارة الأميركية والذي برز جليا من خلال الخطاب الاستفزازي الذي ألقاه بنس في الكنيست وخلال محادثاته مع نتنياهو يؤكد من جديد وللمرة المليون أن الولايات المتحدة خاصة في ظل الإدارة الحالية هدفها ليس إيجاد حل للصراع، بل تعمل على تصفية قضية شعبنا، وهو ما لا يمكن أن يتحقق ما دام شعبنا حيا وقدم ولا يزال يقدم التضحيات الجسام من أجل تحقيق أهدافه في الحرية والاستقلال.
وإذا كان بنس المعروف بمواقفه اليمينية وانحيازه المطلق للاحتلال الإسرائيلي يعتقد أن بإمكان هذه الإدارة الأميركية إملاء مواقفها على الشعب الفلسطيني وقيادته وعلى الأمتين العربية والإسلامية فهو واهم، ولن يجد أي شريك لجهود السلام بناء على هذه المواقف، ومن الأجدر به النظر أيضا إلى الساحة الدولية بعد أن تلقت إدارته صفعتين مدويتين في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا، حيث تم رفض إعلان ترامب رغم كل الضغوطات والتهديدات.
كما أن على بنس أن يدرك أن ليس من حقه ولا من حق إدارته ترامب ولا من حق الكونجرس الذي اجاز القانون الاستعماري بحق القدس التصرف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولا مخالفة الشرعية الدولية فيما يخص القضية الفلسطينية، وإن زيارته المقررة لحائط البراق في سياق إصراره على أن القدس عاصمة للشعب اليهودي إنما يشكل اعتداء سافرا آخر.
كما أن عليهما أن يدركا أن الشعب الفلسطيني الذي ناضل من أجل حريته واستقلاله منذ عقود طويلة بدعم المجتمع الدولي وأحرار العالم، وقدم قوافل الشهداء والجرحى والأسرى، لن يرفع الراية البيضاء تحت أي ظرف، وأن إيمانه بعدالة قضيته وحقه في مقاومة الاحتلال غير المشروع وإرادته الصلبة التي أبقت القضية الفلسطينية رقما صعبا لا يمكن لأحد تجاوزه، كل ذلك يشكّل نافذة الأمل للشعب الفلسطيني للمضي قدما في النضال العادل من أجل الحرية والاستقلال.