الاشتباك البطولي الذي شهدته مدينة جنين مساء أول أمس أعاد للمشهد الفلسطيني تألقه النضالي عبر مسارات المواجهة مع الاحتلال الغاشم, هذه هي الصورة الحقيقية التي تعبر عن الواقع والقضية, ويسقط أمام وضوحها خداع السلطة والدولة تحت الاحتلال, وصور السيادة المدعاة في عقول جنرالات الوهم, جنين يشن عليها عدوان صهيوني واقتحام واسع تحت غطاء وإسناد جويين, يعربد جنود الاحتلال، يطلقون الرصاص والقذائف, تدخل الجرافات لهدم منزل فلسطيني, اختبار قاسٍ لمروجي الشعارات الرنانة, سلطة واحدة وسلاح شرعي واحد, أين السيادة يا سادة؟!، أين السلطة وأجهزتها الأمنية؟!، لقد داست أقدام الجنود الصهاينة كل هذه "الجعجعات", وألقت بها في وجه من يبحث عن وطن في جعبة سارقيه, أيعقل أن تطلب الدواء من صانعي سمومك؟!، أيعقل أن تطلب النجاة من الحريصين على غرقك في بحر الاستسلام؟!، هل يفيق القوم على هذا الوضوح؟!، ولمصلحة من يسحب الجميع إلى ساحة العجز والركون إلى الظلم والاحتلال؟!
في ليلة الاشتباك لم ينم الفلسطينيون في الوطن المحتل وخارجه, يترقبون أخبار جنين البطولة, حيث الأخبار تتراوح ما بين النصر والشهادة, فلا خيار آخر في هذه المواجهة الملحمية, شوارع جنين يسيطر عليها الشبان المنتفضون, يرابطون في الأزقة حيث السيادة الوطنية في أروع صورها، عندما تعلن رفضك المحتل، ولو بحجر, فلم يتبق سلاحٌ للمقاومة في ضفتنا المحتلة, فلقد حُرم اقتناء السلاح بمرسوم سلطوي, والسلاح الشرعي الوحيد عاجز عن حماية الناس، أو الدفاع عنهم في مواجهة التوغلات اليومية والاعتقالات الليلية والإعدامات الميدانية.
في هذا السياق يأتي الاشتباك النوعي في جنين إشارة مهمة على مرحلة جديدة من المقاومة تسترد فيها الجماهير خيارها الإستراتيجي, الذي لا بديل عنه في مقارعة الاحتلال بالنار والرصاص؛ فالاستيطان الصهيوني توسع وتضخم, عندما غابت بارودة رائد الكرمي ومحمود طوالبة ومحمود أبو الهنود وجبر الأخرس عن شوارع الضفة وطرقها الالتفافية, فلقد شعر المستوطن بالأمن والأمان, فأخذ يعربد بسلاحه في نابلس وطولكرم وقلقيلية والخليل، يطلق النيران ليقتل ويصيب الفلسطينيين بلا رادع حقيقي.
يجب ألا يكون الاحتلال لأرضنا بلا كلفة وبلا خسائر تردعه, إذ يدخل جنود الاحتلال المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية بالضفة في كل ليلة, يقتلون ويعتقلون بلا حسيب أو مقاومة حقيقية, يجب أن نجعل الاحتلال يفكر ألف مرة قبل الإقدام على اقتحام أي مدينة أو قرية أو دخول أي شارع في الضفة المحتلة, هذه هي رسالة الاشتباك في جنين, ويجب أن تعمم على المدن الفلسطينية كافة, فلا دخول للاحتلال إلا بمواجهة شرسة وملاحقة له في كل شارع وزقاق وحي وتكبيده الخسائر.
ونحن في أتون المؤامرة المركبة على قضيتنا الفلسطينية, وتبجح العدو وإصراره على التهام ما تبقى من أرضٍ فلسطينية, وإعلان أكبر أحزابه الصهيونية أن الضفة المحتلة تحت السيطرة اليهودية, وقد سبق ذلك عدوان ترامب على القدس المحتلة, وتخطيطه لصفقة القرن الأمريكية التي تلقى قبولًا لدى بعض الأنظمة العربية, تمهيدًا لتصفية القضية الفلسطينية لمصلحة استمرارية المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين؛ كل ذلك يجب أن يكون مدعاة للكل الفلسطيني أن ينهض للقتال ويفتح النيران من كل الأسلحة المتوافرة, من أجل إسقاط المؤامرة وإحباط مخططات العدو, والدفاع عن هويتنا الوطنية، ووجودنا التاريخي الأصيل في هذه الأرض المباركة, الرحمة والقبول للشهيد أحمد إسماعيل جرار، والشفاء العاجل للجرحى، والحرية للأسرى، حتمًا إنا لمنتصرون بإذن الله.