فلسطين أون لاين

"رفع الحصانة".. قرار يظهر أزمة عميقة في النظام السياسي الفلسطيني!

...
جانب من الجلسة الطارئة في المجلس التشريعي أمس - تصوير / ياسر فتحي
غزة - يحيى اليعقوبي

أثار قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس رفع الحصانة عن خمسة نواب في المجلس التشريعي عن حركة فتح، جدلاً على الساحة السياسية والقضائية، فيما يرى مراقبون ومختصون أن له تداعيات على المشهد السياسي والقضائي الفلسطيني.

وقال المستشار القانوني لمؤسسة الحق لحقوق الإنسان د. عصام عابدين "إن القرار يعكس أزمة عميقة في النظام السياسي الفلسطيني، فهناك تغييب لعمل المؤسسات خاصة وأن البرلمان الفلسطيني لم ينعقد بالهيئة العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 10 سنوات.

وأضاف عابدين لـ"فلسطين": "نحن أمام حالة من تراجع الحقوق والحريات وحالة من التفكك نتيجة التفرد باستخدام السلطة"، لافتًا إلى أنه لا يوجد نظام سياسي في العالم يتضمن أن تقوم السلطة التنفيذية برفع الحصانة عن برلمانيين.

وفي السياق، أوضح أن البرلمان هو الذي يراقب عمل السلطة التنفيذية وليس العكس"، مؤكدًا أن النظام السياسي أسير حالة الانقسام.

وتابع عابدين "حصانة النواب تعتبر من أبرز الضمانات التي أعطاها القانون الأساسي الفلسطيني والتشريعات ذات الصلة التي تمكن عضو المجلس التشريعي من القيام بمهامه".

وبين أن عضو المجلس التشريعي نفسه لا يملك رفع الحصانة عن نفسه دون موافقة المجلس التشريعي، موضحًا أن رفع الحصانة له إجراءات دستورية واضحة، وليس بالطريقة التي أعلنت من خلال وسائل الإعلام وعدم إبلاغ الكتل البرلمانية على الرغم من أن القرار غير دستوري.

وذهب للإشارة إلى أن قرار رفع الحصانة أسند للمحكمة الدستورية العليا رغم المشكلات التي تعاني منها، سواء على صعيد تشكيلها ومخالفة التشكيل للقانون الأساسي، أو فيما يتعلق بأداء القسم واليمين ومدى استقلالية أعضائها، وهذا يعكس حجم الأزمة الموجودة فيما يتعلق بالقضاء.

وبحسب عابدين فإن المسألة تحتاج بالدرجة الأولى إلى قرار بانعقاد المجلس التشريعي بالدورة العادية وغير العادية بهيئته العامة بالضفة وغزة، وإمكانية ترميم النظام السياسي، وصولاً لعقد الانتخابات العامة لإنهاء الأزمة وهذا يعزز مفهوم المصالحة.

وبين أن هذه القرارات تعقد ملف المصالحة التي يجب أن تكون مبنية على الشراكة الحقيقية وعدم التفرد في اتخاذ القرارات.

والمسألة لم تعد تقتصر على قرار رفع الحصانة، والكلام لعابدين، فهناك إشكالية في النظام السياسي برمته وتفكك بالتدريج، وحالة تدهور غير مسبوقة بالقضاء، مشيرًا إلى طلب السلطة من رئيس المجلس الأعلى للقضاء سامي صرصور تقديم طلب استقالة مسبقة "مما يدلل على حالة التدهور".

ولفت إلى أن السلطة التنفيذية هي من تنفذ وتشرع من خلال القرارات التي تصدر، ولا يوجد رقابة عليها ولا على أجهزتها فيما يتعلق بالموازنة المالية، وملف الحقوق والحريات، مردفًا: "إن لم يتم تدارك الأمر ستستمر حالة التدهور وصولاً إلى طريق مجهول".

تنحية خصوم

ويؤيد المحامي عبد الكريم صيام رأي عابدين، ويوضح أنه لا يحق لعباس عزل أي عضو في المجلس التشريعي دون موافقة المجلس.

وقال صيام لصحيفة "فلسطين": "إن قرار رفع الحصانة حدث نتيجة خلاف داخلي في حركة فتح، لأن عباس يعمل على إنهاء خصومه وتنحيتهم سياسيًا وإبعادهم عن الحركة".

وحول صلاحية المحكمة الدستورية العليا في رام الله، بين أن تشكيلها غير قانوني وأن الرئيس الذي شكلها منتهية ولايته، لافتًا إلى أن المحكمة الدستورية حزبية وجميع أعضائها ينتمون لحركة فتح.

ونوَّه صيام إلى أن أي قاضٍ يرغب بتقلد مناصب قضائية يجب انتزاع الانتماءات الحزبية منه، لافتًا إلى أن القضاة تم تعيينهم منذ نشأة السلطة الفلسطينية عام 1994، على أسس حزبية وليس على أسس الكفاءات.

تغول "التنفيذية"

في سياق متصل، حذر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من تبعات تغول السلطة التنفيذية على أعضاء المجلس التشريعي، مؤكدًا أن المحاسبة الانتقائية ظلم شامل، وأن محاربة الفساد إن وجد أساس لها، يجب أن لا تنصب على التيارات المعارضة دون غيرها.

وكرر المركز في بيان صحفي، أمس، تحفظه على قرار المحكمة الدستورية القاضي بإعطاء الرئيس منفردًا صلاحية رفع الحصانة عن نواب المجلس، لما تعنيه من تقويض استقلالية وحرية أعضاء المجلس التشريعي، المعطل اصلا منذ الانقسام الفلسطيني.

وقال المركز: "إن ما تقوم به السلطة التنفيذية من استخدام للسلطة القضائية للنيل من اعضاء المجلس التشريعي، هو وصفة انتحار للنظام السياسي الفلسطيني، تعصف بمصداقية كل السلطات".

كما حذر من أن تساهم هذه الأحداث في تفاقم تدهور الوضع الأمني المتدهور أصلا في الضفة الغربية، معربا عن بالغ قلقه من تطورات الأحداث في الضفة، مطالبًا الرئيس عباس بوقف تغول السلطة التنفيذية على السلطتين القضائية والتشريعية.

وناشد المركز جميع الأطراف الفاعلة المحلية والدولية للضغط على رئيس السلطة للرجوع عن الإجراءات التعسفية بحق نواب المجلس التشريعي وإطلاق الحريات.

وأكد ترحيبه بمحاسبة الجميع بمن فيهم نواب المجلس التشريعي على أية مخالفة قانونية، سيما الفساد وسرقة المال العام، مشددا على ضرورة أن تكون المحاسبة شاملة ومتبادلة، لا انتقائية أو موجهه لسلطة دون أخرى، وأن تكون أمام قضاء مستقل.

وأضاف: "هذا لن يتحقق إلا بعد اصلاح قضائي شامل واعادة الاعتبار للمجلس التشريعي، والذي يفترض وجود إرادة سياسية للإصلاح وانهاء الانقسام".