انعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطيني على مدار يومين متتاليين في رام الله، وسط إيحاءات بأن المجلس سيتخذ من القرارات ما يمكن أن يشفي الغليل، لأننا نواجه اليوم مشروعًا تصفويًّا بامتياز، والقضية الفلسطينية في وضع لا تحسد عليه؛ فما الذي نستطيع أن نفعله أمام الهجمة الأمريكية الشرسة، التي تقوم على أساس ابتزاز الشعب وممارسة عليه الضغط المادي والسياسي، محاولة انتزاع منا إقرار واعتراف بشرعية الاحتلال ويهودية الدولة، والتنازل عن القدس والتسليم بقرار ضم الضفة الغربية، يجب علينا الإجابة عن هذا السؤال: ما الخيارات الممكنة أمامنا؟
المركزي ليس بحاجة لكي يخرج لنا بقرارات تؤكد ضرورة البحث عن رعاية جدية للمفاوضات، فهذا حرث في البحر وهدر للوقت والجهد، وعودة إلى دائرة ومربع الماراثون التفاوضي العبثي، إنما المركزي بحاجة إلى قرارات مصيرية تفتح مسارًا سياسيًّا جديدًا يلبي الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، وهذا يتطلب بناء رؤية وإستراتيجية فلسطينيتين موحدتين، ومشاركة حقيقية في القرار الوطني، وقبل هذا كله يجب العمل على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وتوظيف كل عوامل القوة الفلسطينية، لخوض نضال متكامل شعبي وجماهيري وسياسي ودبلوماسي وقانوني، يحدث حالة تراكمية في تعديل ميزان القوى المختل لمصلحة الاحتلال، ويفتح القرار والخيار الفلسطينيين على أوسع وأرحب فضاء عربي وإسلامي، والاستفادة من كل التطورات والمتغيرات العربية والإقليمية.
فلو أجرينا استفتاء عامًّا للشعب الفلسطيني بالداخل والخارج في انعقاد المجلس المركزي لوجدنا أهم مطلب يؤكده الأغلبية هو إلغاء الاتفاقيات المبرمة مع الاحتلال الإسرائيلي جميعًا، ومنها اتفاق أوسلو، والرد على هذه المطالب هو أن اتفاق أوسلو هو في حكم الملغى، وقد سبق لكثير من القادة الفلسطينيين أن وصفوا الإجراءات الإسرائيلية بأنها إلغاء لأوسلو من طرف واحد، وبطبيعة الحال إلغاء الاتفاق يعني إنهاء السلطة الفلسطينية؛ فهل سيفعلها المجلس المركزي ويعلن في بيانه الختامي حلها وبذلك يشنق نفسه بيديه؟
هذه المطالب تبرهن على تطلع الشعب الفلسطيني إلى قرارات حاسمة من المركزي تشفي الصدور، فقد علمتنا تجارب الماضي أن المجلس المركزي أو الوطني ليسا سوى منابر للخطابة، وأن القرارات تكون غالبًا معدة وجاهزة قبل الانعقاد، وأنها تعكس رؤية القيادة وطريقتها في التعامل مع الأحداث، فهل سيكون انعقاده بالإنابة عن المجلس الوطني الفلسطيني كذلك منبرًا للخطابة والشعارات التي أكل عليها الزمن وشرب؟؛ فهل سيعقد المركزي من أجل امتصاص غضب الغاضبين، وتهدئة الثائرين، وتسكين الجرحى، وإعطاء اللاجئين والأسرى أملًا؟
إن خطورة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية تستوجب أن تثمر مخرجات المجلس المركزي نهجًا جديدًا، وقرارات ترتقي إلى مستوى الخطر الذي يهدد القضية الفلسطينية، وتعيد للمجلس سيرورته الثورية.
تتطلع العيون إلى اجتماع المجلس المركزي، الذي انطلقت أعماله مساء أمس وينتهي مساء اليوم، وتنعقد عليه الآمال في اتخاذ قرارات مصيرية تكون ردًّا فلسطينيًّا حاسمًا على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب "منح ما لا يملك لمن ليس له حق" بإعلانه القدس عاصمة لكيان الاحتلال، لذا كلٌّ يترقب النتائج التي ستخرج عن اجتماعات المجلس المركزي، وهنا نود لفت الانتباه إلى أن طريقة طرح الخيار هي غاية في الأهمية، حتى لا يتكرر وضع القرارات على الرف مثل قراراته السابقة، وكان آخرها قبل عامين، لذا أقترح على المؤتمرين بعد النقاش والخروج بمجموعة من الخيارات أن يلجؤوا إلى استفتاء شعبي في الخيارات المطروحة، فإذا كانت نتيجة الاستفتاء حل السلطة أو سحب الاعتراف بالكيان _مثلًا_ ستكون الآلية ديمقراطية جدًّا، والنتيجة انعكاسًا لكلمة الشعب، وسيتمكن الرئيس من إعلام المجتمع الدولي والمحلي أن هذا خيار الشعب، وبغض النظر عن رأيه الشخصي والحزبي لابد من احترام الرأي الشعبي، وبهذه الطريقة وبتبني هذا الأسلوب لن يجرؤ أحد من الأطراف الخارجية الإقليمية أو الدولية على الضغط على الفلسطينيين أو مهاجمة قرارهم، لأن القرار يكون انعكاسًا لإرادة شعب بأكمله، وليس قرارًا ناتجًا عن مصالح حزبية أو فئوية.