إن القضية الفلسطينية تواجه خطر التصفية بصورة أكبر من أي فترة سابقة، من خلال الابتزاز بتسييس الدعم المالي والتهديد بالمقاطعة، فقد أوقفت الولايات المتحدة الامريكية المساعدات للسلطة الفلسطينية ولوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إذا لم يبلع الشعب الفلسطيني قرارها بالاعتراف بالقدس عاصمة الاحتلال، تصديقًا لوعدٍ كاذبٍ بأن الخطة الأميركية بما تسمى صفقة القرن ستتضمن ما يرضي الفلسطينيين، مع أن هذا الأمر لا ينطلي على أحد عاقل، لأن الخطة التي تبدأ بإخراج القدس من طاولة التفاوض لن تنتهي إذا مُررت إلا بتصفية القضية بمختلف أبعادها.
فبدلا من إيجاد حل عادل ومنصف للاجئين الفلسطينيين المشردين عن وطنهم تلعب الولايات المتحدة دورا قذرا بحق أكبر قضية إنسانية على مر التاريخ عبر العديد من المشاريع الهادفة إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين، وتصفية الحقوق التاريخية لشعبنا منذ عشرينيات القرن الماضي حتى اللحظة الراهنة، فبقرار واحد من الرئيس الأمريكي أصاب به هدفين، وهما: الأول تهويد القدس التي جعلها عاصمة الاحتلال والثاني تصفية الأونروا لإسقاط حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ويبدو أن أحلاهما مر، فمدينة القدس معروفة أنها محتلة قبل قرار ترامب وأعلن الاحتلال قبل ثلاثة عقود أنها عاصمته الأبدية، أما قضية اللاجئين فبقيت إلى يومنا هذا في ذمة الأونروا بتقديم المعونات الإنسانية والإغاثية لهم حتى عودتهم إلى ديارهم التي هجروا منها قسرا ودفع التعويضات لهم عن كل الأضرار الناتجة عن تهجيرهم.
وقد لوحظ في الفترة الأخيرة أن الأونروا وُضعت فعلا في دائرة تسليط الأضواء وأصبحت في عين العاصفة، بهدف زج قضية اللاجئين الفلسطينيين في مشاريع تصفوية بما عرف بالتوطين والتجنيس وبالوطن البديل والتفريق بين اللاجئ القديم واللاجئ الجديد.. إلخ، بالإضافة للمحاولات الدولية لتحويل الوكالة إلى "وكالة إقليمية" تمولها الدول العربية كمدخل لنزع البعد الدولي من قضية اللاجئين، وتحويلها إلى مسألة أو قضية عربية إقليمية داخلية.. كل ذلك يرتبط مباشرة بالتوطين، عبر مشاريع التطوير الحضري والتمليك تمهيدا لإلغاء مخيمات اللاجئين، من أجل التخلص من الشاهد الوحيد على جرائمهم اللا إنسانية المتمثلة بتشريد شعب كامل من أرضه، وطي ملف اللجوء الفلسطيني، وتعميق وجودها في المنطقة.
إن استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" والمطالبة الإسرائيلية بتفكيك أنشطتها وخدماتها يحمل نفس الأهداف والمضامين، لتصفية القضية الفلسطينية، والمرتكز الأساس للمشروع الوطني الفلسطيني، ألا وهو حق العودة، الذي كفلته الشرعية الدولية أيضًا لشعبنا الذي طرد وهجر من أرضه قسراً من قبل العصابات الصهيونية التي ارتكبت الفظائع بحقه، وفق القرار الأممي رقم (194)، فالاحتلال ومعه أمريكا لا يريد لقضية اللاجئين أن تبقى شاهداً حياً على جرائمها بحق شعبنا، ولا يريد أن يتحمل ويعترف بالمسؤولية السياسية والأخلاقية عن هذه الجريمة، ولا يريد لشعبنا أن يعود لوطنه وأرضه من المنافي ومخيمات اللجوء التي يعيش فيها في ظروفا مأساوية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الإنسانية بل يريد لهذا الشعب أن يختفي ويوطن خارج أرضه.
لذا يجب توحيد ورص الصفوف لمواجهة كافة التحديات التي تفرضها الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال على القضية الفلسطينية وفي مقدمتها قضية اللاجئين والعمل بكل وسعنا لعدم تفكيك وتوقف أونروا عن أنشطتها وخدماتها للاجئي شعبنا الفلسطيني، وألا نسمح لدمجها ضمن المفوضية السامية العليا للاجئين كما تطالب حكومة الاحتلال، فوضع شعبنا اللاجئ يختلف عن باقي لاجئي العالم، الذين غادروا بلدانهم قسراً بسبب الحروب أو المشاكل العرقية والمذهبية فيها، فهم يعودون إليها بمجرد توقف تلك الحروب والمشاكل، ولكن نحن أمام مشروع استيطاني، اقتلاعي، إحلالي، لا يعترف بحقنا بالوجود.
من هنا نؤكد أهمية دور وكالة الغوث، ونطالب لجنتها الاستشارية بعدم الاستسلام للتهديدات الأمريكية المالية لأنها في النهاية مسيسة هدفها تصفية الوكالة وبالتالي تصفية قضية اللاجئين من مضمونها الإنساني والسياسي والواجب الاخلاقي، لذا يجب عليها وضع الخطط الفورية لمواجهة هذه التهديدات بما يضمن استمرار الأونروا في تأدية مهامها وتقديم خدماتها التعليمية والصحية والإغاثية للاجئين الفلسطينيين، وفي المقدمة، مطالبة منظمة الأمم المتحدة بحماية الأونروا وتقديم الدعم المالي لها بشكل دائم وكاف من أجل استمرارها في تأدية مهامها، ولتتذكر الوكالة أن واجبها الأخلاقي والإنساني والقانوني البحث عن الحلول بعيداً عن اللاجئ وقوته أو أن يرجع كل لاجئ إلى بيته وتعويضه عن الأضرار وعندها نقول للوكالة الله يعطيكِ العافية.