ما أكثر عشاق غزة، أولئك الذين لا يغمض لهم جفن، خوفًا عليها من المجهول، وقلقًا على مصير أهلها، أولئك المفكرين والمثقفين، والقادة الفلسطينيين والعرب، الذين ترتسم صورة القدس والضفة الغربية ويافا وحيفا وكل فلسطين لمجرد ذكر غزة، والحديث عن معاناة سكانها!
إن الذي يتآمر على غزة لا يستهدفها وحدها، ولا يذبح مستقبل أبنائها، وإنما يطعن خاصرة الشعب الفلسطيني في كل مكان، ويحز بسكين المؤامرة على عنق القضية الفلسطينية، لذلك إن مجمل الأفكار والمقترحات والمشاورات التي يقدمها الحريصون على غزة تعكس عميق الحب لفلسطين، وتحاكي صمود الشعب الذي يرفض الخنوع للصهاينة وعملائهم.
فما العمل يا غزة؟، وكيف الخلاص من سكاكين الطغاة، ومن حالة التجاهل المقصود لوجودك، والإهمال المتعمد لسكانك ولمصيرهم ومستقبل أبنائهم؟
لابد من الإشارة إلى أن حالة غزة الصحية ومعاناتها جزء من الحالة السياسية الفلسطينية المتردية، التي تعاني الانهيار التراكمي على مدار عشرات السنين، ومع ذلك لابد من التفكير بخصوصية غزة المحاصرة من العدو الإسرائيلي، والمعاقبة من الرئيس محمود عباس، بطريقة تخدم مجمل القضية الفلسطينية، وتنهض بالحالة الفلسطينية العامة، وذلك بـ:
أولًا: لقاء يضم كل التنظيمات الفلسطينية العاملة في قطاع غزة، بصفتهم الجسم الأقدر على التحرك والتشاور والتوافق على رعاية مؤتمر وطني عام يعقد بمدينة غزة، تشارك فيه:
1- كل الفئات الفلسطينية المتضررة من بقاء الوضع في غزة على ما هو عليه، وهؤلاء المتضررون هم التجار والمزارعون والعمال والخريجون الجامعيون وأصحاب الحرف والمهن الحرة والموظفون والمرضى وفئة الشباب العاطلين عن العمل وربات البيوت.
2- أعضاء المجلس التشريعي بصفتهم، وأعضاء المجلس الوطني في غزة، وممثلون للتنظيمات الفلسطينية، والمؤسسات الوطنية والشعبية.
3- رؤساء الجامعات والمؤسسات الأهلية ومجالس الطلبة ورؤساء البلديات والمجالس القروية والجمعيات الخيرية وممثلو النقابات وكل من له علاقة بالعمل وسط المجتمع.
4- المثقفون والمفكرون والكتاب وأصحاب الرأي والمهتمون بالحالة السياسية.
5- الشخصيات الوطنية والوجهاء والمخاتير والفعاليات الشعبية والكفاءات الوطنية.
ثانيًا: يترأس المؤتمر عدد من الشخصيات الفلسطينية المستقلة، غير المحسوبة على أي تنظيم، والمشهود بوفائها للوطن، والتي تحظى برضا وقبول القوى السياسية جميعًا.
ثالثًا: لا تلقى في المؤتمر المذكور أي كلمة سياسية لأي تنظيم أو فصيل كان.
رابعًا: يسمح للتجمعات الشعبية والأهلية والمهنية والوطنية بطرح ما لديها من أفكار ومقترحات وآراء للخروج من هذه الحالة التي تعصف بحياة سكان غزة، وليكن الجميع شركاء في الحل كونهم شركاء في المعاناة.
خامسًا: بعد توثيق كل المقترحات المقدمة من الحضور، وبعد التشاور معهم يفرز المؤتمر مئة شخصية وطنية تمثل شرائح المجتمع الفلسطيني في غزة كافة، وهم بمنزلة قادة المؤتمر، أو ممثلي الشعب الذي يعاني أزمة، ويناط بهؤلاء الأشخاص مهمة انتخاب مكتب تنفيذي من بينهم، لمرحلة انتقالية مدتها ستة أشهر، على أن تكون مهمة المكتب التنفيذي هي تنقيح المقترحات الشعبية المقدمة من القاعدة الشعبية، والعمل بها، وذلك بقيادة العمل اليومي في قطاع غزة، ومن ذلك إجراء الاتصال بقيادة السلطة الفلسطينية، والقوى الوطنية في الضفة الغربية، والتنظيمات الفلسطينية كافة، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة ولجنة الصليب الأحمر الدولية والاتحاد الأوربي، بحثًا عن حلول واقعية وسريعة لأوضاع الناس المعيشية، ومن ذلك فك الحصار عن غزة، وفتح المعابر، وخلق فرص عمل.
سادسًا: تلتزم قوى الأمن الفلسطيني في غزة بكل ما يصدر لها من قادة المؤتمر الوطني.
سابعًا: يعمل المكتب التنفيذي على إجراء انتخابات للمجالس المحلية في قطاع غزة خلال ستة أشهر، على أن تكون المجالس المنتخبة نواة حكومة فلسطينية في غزة، لها كامل الحق في قيادة المرحلة، واتخاذ ما يناسب من قرارات.
قد يقول بعض: هذا انشقاق، وتمرد على السلطة، وتساوق مع المشروع الأمريكي الداعي إلى قيام دولة غزة، وهذا تخلٍّ عن القدس وعن الضفة الغربية، وكل هذا الكلام صحيح، ويدعو الشعب الفلسطيني إلى محاسبة المسؤول الأول الذي يعاقب غزة، ويهرس عظمها، ويكسر أنفها، وسيجبر أهلها على صعود المرتقى الصعب، الذي سيحفظ بذرة المقاومة من التحلل والذبول.