لم تكن حادثة اعتقال جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية للفتى بدر جمال منصور قبل بضعة أيام على خلفية كتابة منشورات مناهضة للسلطة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" الحالة الأولى من نوعها، فلقد سبقها بذلك اعتقال عدة نشطاء ورموز سياسية.
ومنذ أن صادق رئيس السلطة محمود عباس في منتصف العام المنصرم، على ما يعرف بـ"قانون الجرائم الإلكترونية" الذي اتخذ بعيدا عن المجلس التشريعي المختص بإصدار القوانين والتشريعات، زاد وتيرة الاعتقالات التي تنفذها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة على خلفية حرية الرأي والتعبير.
وفي العشرين من الشهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أقدم جهاز الاستخبارات العسكرية على اعتقال العميد محمد الداية المرافق الشخصي للرئيس الراحل ياسر عرفات، وذلك بتهمة تهديد مسؤولين في السلطة الفلسطينية والتشهير بهم من خلال صفحات أنشأها على مواقع التواصل "فيسبوك".
ومن أبرز ما جاء في قانون الجرائم الإلكترونية، تشريع مراقبة كل ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، واتاحة مراقبة المستخدمين والتنصت عليهم وتخزين بياناتهم كاملة لمدة 3 سنوات، فارضا على الشركات المزودة للإنترنت التعاون مع الجهات الأمنية للوصول إلى بيانات المستخدمين.
النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، حسن خريشة قال "صدر قانون جرائم الإلكترونية في أوضاع غير طبيعة يسودها حالة الانقسام الوطني الداخلي، لذلك من غير المستبعد استخدامه بشكل سيء لمنع أي رأي آخر معارض للسلطة وتوجهاته على الساحة الفلسطينية".
وأضاف لصحيفة "فلسطين": "يتوجب وقف العمل بقانون الجرائم، كونه يستهدف كل الآراء المعارضة دون وضع أي اعتبارات أخرى، فضلا عن كونه أقر دون أن يعرض على المجلس التشريعي المعطل عن عمله بإقرار القانونين والتشريعات".
ودعا خريشة لجنة الحريات العامة _التي أعيد تفعليها بعد اتفاق المصالحة الأخيرة في القاهرة_ إلى ممارسة عملها بشكل جاد ومراقبة الانتهاكات المتكررة على صعيد الحريات العامة والاعتقالات السياسية في الضفة الغربية والتي من شأنها أن تضر بعملية المصالحة بشكل كبير.
أداء تهديد
من جهتها، بينت الباحثة القانونية في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، غدير عواد أن قوانين الجرائم الإلكترونية المتعارف عليها عالميا تسري في حال وجود تهديد لأمن واستقرار الدولة أو الأفراد، إلا أن القانون الذي أقرته السلطة أخيرا يشكل خرقا أساسيا لحرية الرأي والتعبير.
وقالت عواد لصحيفة "فلسطين": "من غير المقبول أن يسري قانون الجرائم الإلكترونية على الجوانب المتعلقة بحرية التعبير في الشؤون العامة والتي هي من أبسط الحقوق التي يتمتع بها الفرد وفق ما أكدت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان".
وأضافت "قانون الجرائم الإلكترونية لم يأت ليخفف عن الناس بل جاء كمراقب آخر عليهم يمنعهم من التعبير"، مشيرة إلى أن الشعب له الحرية المطلقة في التعبير عن الحياة اليومية التي تديرها السلطة.
وأوضحت عواد أنه رغم الحملات المناهضة لقانون الجرائم إلا أن النيابة العامة والسلطات القانونية والقضائية ما زالت تتعامل مع القانون كأداء للتهديد وتقييد حرية التعبير، مع توجيه آراء الناس بعيدا عن القضايا الأساسية والجوهرية التي تتعلق بسياسات الحكومة.
ونوهت عواد إلى أن قانون الجرائم الإلكترونية الذي تعمل به السلطة الفلسطينية يتماشى مع التوجه الدولي نحو قمع الحريات في الدول المختلفة، مشددة على ضرورة وضع الاعتبارات لحالة المواطن الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي وإعطاءه حق بالتعبير عن مواقفه بشكل موضوعي.
يذكر أن لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة أحصت خلال العام المنصرم 2017 4017 حالة اعتقال واعتداء ارتكبتها الأجهزة الأمنية، منها 1255 اعتقالا سياسيا، و1608 استدعاءً، طالت كافة شرائح شعبنا في الضفة، على خلفية انتماءاتهم السياسية، وممارسات ونشاطات أخرى، سواء مقاومة الاحتلال أو حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي.