معركة الكرك لم تكن الأولى، ونرجو أن تكون الأخيرة، ذلك لحساسية الحالة الأردنية التي لا تحتمل المغالاة والتطرف في التعامل مع الأمن ورجال الدرك، والسكان أيضا. أسفرت عملية الكرك عن مقتل عشرة من رجال الدرك والشرطة وكندية واحدة وإصابة اثنين وعشرين بجروح مختلفة ، ومقتل المهاجمين الأربعة الذين لم تحدد المملكة حتى الآن هويتهم، أو هوية تنظيمهم الذي ينتمون إليه؟! .
صمت السلطات الأردنية، أو تأجيل الإعلان عن هوية الخلية المهاجمة، يفتح الباب على تخمينات عديدة، ومنها أن الأربعة من رجال داعش وأنهم يستهدفون المملكة ككل وليس الكرك كمنطقة سياحية، ومنها أنهم من رجال الجريمة تفاجؤوا بانكشاف أمرهم للسلطات فحاولوا الفرار، فلم يجدوا غير القتل؟!
الإعلام عادة لا ينتظر ولا يتريث، فإما أن يستقي المعلومات من مصادرها، وإما أن يذهب إلى التحليل والتخمينات لكي يملأ فراغات التقارير الصادرة عنه، لذا فإن من مصلحة الدولة عادة أن تبادر بنشر روايتها لتقضي على التخمينات، وربما يستثنى من هذه الحالة ما له بأوضاع أمنية ما تزال تحت المتابعة والملاحقة.
إن موقع الأردن الجغرافي على تماس مباشر مع العراق من ناحية، وعلى تماس مع سوريا من ناحية أخرى، يجعل مسألة الأمن في المملكة تحتل المكانة رقم واحد في أجندة الدولة، لا سيما وأن هناك تهديدات قوية للمملكة من المغالين منذ مقتل الزرقاوي.
إن يقظة الأمن الأردني ربما ساعدت في القضاء على الخلية المذكورة بعد كشف أمرها، ولكن هذا لا يمنع من وجود خلايا نائمة أخرى، ولا يمنع من الاعتراف بأن الضريبة التي دفعها الأردن من أجل القضاء على الخلية كانت ضريبة باهظة وذات تداعيات على الوضع السياحي والأمني في الأردن لاحقا. ويبدو أن عناصر الخلية كانوا مدربين بشكل جيد على استعمال السلاح ومواجهة رجال الدرك، لذا كانت هذه الخسائر والتي منها مسؤول وقائد المهمات الخاصة.
الأردن ليس بعيدا عن الأزمة العراقية، والأزمة السورية، والأزمة اليمنية، ويجب ألّا يغمض عينيه أبدا عن الكيد الصهيوني الخفي، ويجدر به ألّا يطمئن إلى التصريحات الصهيونية المعسولة، لأن سياسة (إسرائيل) الراسخة في العقيدة العسكرية هي إشعال الحرائق في كل المواقع العربية بلا استثناء ما أمكن، وعندها فقط تكون (إسرائيل) قد حققت مقولة مؤسسها ابن غوريون القائلة: إن قوة الدولة ليست في السلاح النووي، ولكن في تفتيت الجيوش العربية وتمزيق البلاد العربية، (وإسرائيل) تعمل الآن في كل المناطق الملتهبة بدون استثناء وبالأمس القريب اغتال الموساد الإسرائيلي محمد الزواري التونسي، مهندس الطيران لأنه يعمل مع حماس وكتائب القسام. إسرائيل ليست بعيدة البتة عن أزمات المنطقة واستثماراتها. الموساد الإسرائيلي يبدو أنه موجود في كل العواصم العربية بشكل أو بآخر.