عملية صفاقس التونسية في نهاية الأسبوع الماضي الموافق الخميس 16/12/2016 التي أسفرت عن اغتيال العالم التونسي مهندس الطيران محمد الزواري (49 عاماً) بالرصاص داخل سيارته أمام منزله، قد تشير أصابع الاتهام فيها إلى الموساد الإسرائيلي من خلال عملية استخبارية دقيقة، وتكشف من بعدها علاقة الزواري بحركة حماس، حيث لم يكن معلوماً من قبل علاقة أو انتماء الرجل إليها، حيث أمضى آخر عشر سنوات من حياته عضواً في كتائب القسام، وكان أحد قادتها _وفقاً لبيان الجناح العسكري للقسام_ وساهم في معركة العصف المأكول الأخيرة، وهذا ما كانت ترصده أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية جيداً، وهي من بعد الرصد تحينت الفرصة المناسبة لتصفيته.
فقد تكشّف دور المهندس الزواري في تطوير سلاح القسام من الطائرات دون طيار وتقول حماس إنها شاركت في معركة "أبابيل" الماضية، وأيضاً فيما بعد، حيث يباشر تطوير برنامج القسام لهذا الغرض، ولم يكن قد أنهى عمله مع الحركة في هذا الخصوص؛ فبحسب الصحفي الصهيوني أورلي هلر المراسل في القناة العاشرة؛ فإنه "إذا كان الموساد قد اغتال محمد الزواري فعملية الاغتيال لم تكن على ماضيه، بل على ما هو قادم، فالزواري يساعد حركة حماس للاستعداد للمواجهة القادمة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي." وما هو قادم هو بالقطع أهم مما هو ماضٍ، إذ لم يرشح من خلال المعركة الأخيرة في غزة ما يبرهن على أن برنامج التطوير قد ذهب بعيداً في مجال توجيه الضربات الموجعة، مقتصراً على مجرد رصد وتصوير أماكن إستراتيجية في عمق الاحتلال، ولربما كان التحضير لحمل أسلحة نوعية أو إدارة توجيه الطائرات على نحو يخرجها من نطاق رصد الاحتلال وقبته الحديدية، كما تقول حماس.
فأن يُغتال عالم عربي على يد الموساد الإسرائيلي مؤسف، والمؤسف أكثر وأكثر أن يكون المغدور هو مطور لنوعية من الأسلحة المؤثرة في ساحات الصراع وهي الطائرات بدون طيار التي تُحدث توازناً في معيار القوة العسكرية مع الاحتلال، لذا يبرر إعلام الاحتلال جريمة اغتيال مهندس الطيران التونسي بأنه خطر على أمنه، لكن الحقيقة ليست بهذه الدقة التي يتحجج بها، وإنما توصل العرب لهذه التكنولوجيا والتقنيات المتطورة هي التي تقلق الاحتلال الذي ينفرد وحده عالميا بهذه التقنية ولا يريد منافسا له في الأسواق، وهذا الأمر هو ما سبب له جنونا وصرعا وهوسا للتخلص من المهندس.
فالواضح أن الاحتلال أراد التخلص من الزواري قبل أن ينجز براءة اختراعه بإجهاض التطوير النوعي لهذا السلاح؛ معتقدا أن ما مضى منه لا يزعجه كثيراً (لربما كان ثمة ما لم يكشف عنه من مراحل التطوير، وقد تظهر في معارك لاحقة). لكن السؤال: لماذا اختار الاحتلال هذا التوقيت بالذات لاغتيال مهندس الطيران التونسي؟! فالاحتلال كعادته يختار الوقت المناسب بانصراف أنظار العالم عما يقترفه من إجرام وينفذه بدقة متناهية ويعتبره نجاحا أمنيا يفتخر به، فقد استغل انشغال العالم العربي والإسلامي بمعركة حلب وما حولها، ولم يكن العالم ليفعل شيئاً لوقف الاغتيال، ولا للانتقام وإرهاب الدولة ضد مواطني دول أخرى في المنطقة.
أما الرسالة التي أراد أن يرسلها الاحتلال أنه يستطيع أن ينفذ اغتيالات أينما يريد وكيفما يشاء، يرصد بدقة متناهية، ويضبط ساعته على توقيت مدروس، وينفذ أهدافه على أكمل وجه بلا خسائر تقريباً وهو آمن من كل اتهام عن إرهاب وعدوان، وهذه بالدرجة الأولى رسالة ينبغي أن يلتقطها العرب والمسلمون الذين يستبيح الموساد الإسرائيلي أراضيهم في كل مكان، وهذه الرسالة يجب أن يكون الرد عليها على حجم هذه الجريمة وهذا الاختراق وهذا العبث بالأمن القومي العربي.