منذ زمن بعيد وسلطات الاحتلال الإسرائيلية تحلم بضم المدينة المقدسة خاصة والضفة الغربية عامة، وجاء إعلان الرئيس الامريكي ترامب ليكمل هذا الحلم وقد استغلته رغم اعتراض المجتمع الدولي عليه وأخذت تنفذ مشروعا تلو المشروع لتهويد ما تبقى من أراضٍ وممتلكات ومقدسات الفلسطينيين، ففور إعلان ترامب أعلنت سلطات الاحتلال من جانبها بناء ألف وحدة استيطانية، وقد استغل حزب الليكود الحاكم بزعامة نتنياهو هذه المناسبة وأقر مشروع بسط السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية وضم جميع المستوطنات المقامة على أراضٍ فلسطينية لـ(اسرائيل) وبعده سنت الكنيست قانونا جديدا بما يسمى القدس الموحدة وحظرت التفاوض على أي جزء منها ضاربة بعرض الحائط القرارات الدولية التي تعتبر المستوطنات غير شرعية وأن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية أراضي فلسطينية محتلة وأن جميع الاجراءات والممارسات والانتهاكات الاسرائيلية في هذه الأراضي غير شرعية وتتعارض مع القوانين والأعراف والقرارات الدولية.
وليس مستبعدا أن تصوت الكنيست ذو الاغلبية اليمينية الساحقة والمتطرفة على هذا القرار الليكودي وبالتالي سيكون قد أطلقت الرصاصة الاخيرة على ايجاد حل للصراع في المنطقة، بل إن ذلك سيؤدي الى زيادة التوتر في الاوضاع المتوترة أصلا والتي قد تنفجر في اية لحظة خاصة وأن قرار حزب الليكود مهد له ودعمه قرار ترامب، الامر الذي يدعونا الى الاعتقاد بل من شبه المؤكد أن يكون هناك اتفاق ثنائي حول ذلك.
مثل هذه القوانين والقرارات وبدعم أمريكي ما هي الا تسويف وخداع من أجل اطالة أمد هذا الاحتلال وتأبيده إن أمكنها ذلك وصولا الى بناء المزيد من المستوطنات ومصادرة الاراضي كخطوة جديدة على طريق اقامة (اسرائيل الكبرى) من النيل الى الفرات وهو ما يؤمن به حزب الليكود اليميني الاسرائيلي، مما يؤكد أن احتمالات الحل السياسي بأبسط إمكاناتها، قد انتهت، وأن حلم أو أمل إقامة الدولة الفلسطينية قد انتهى، وأن كل الاتفاقات من أوسلو وما بعدها قد انتهت، وأن أية أحاديث اسرائيلية عن مفاوضات أو رغبة بالسلام قد تلاشت عمليا ورسميا.
هذه حقيقة يجب أن نعترف بها وإلا سنبقى مخدوعين مدى الحياة بأننا شربنا كأس الخداع لأكثر من عقدين من المفاوضات، ويجب أن نعترف بمرارة الاتفاقيات التي ما زادتنا إلا تراجع لقضيتنا وثوابتنا، ويجب أن نعترف ونصارح أنفسنا أننا لم نحصل من المفاوضات إلا فتاتا وفي المقابل قدمنا تنازلات مجانية كثيرة للاحتلال مما زاده طمعا واستغلالها لمزيد من التنازلات، واليوم تحصد ما فطرنا به.
السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا وهو؛ كيف سنواجه هذا الواقع الأليم؟ فلم يعد الكلام مجديا أو مسموعا والمطلوب قرارات على قدر التحدي والمسؤولية، لأننا سمعنا إدانات واستنكارات متكررة وكثيرة، ورأينا اجتماعات عربية واسلامية عامة، وزيارات للرئيس محمود عباس واتصالات كثيرة ومتعددة وعلى كل الجهات، وصدور تصريحات بلا عدد، كما رأينا مواقف دولية مؤيدة لنا ولقضيتنا ورافضة للمواقف الاميركية والاسرائيلية، ولكن كل هذه التحركات والاجتماعات والبيانات، لم تغير من واقع الأمر شيئاً، وتتصرف (اسرائيل) وحكومتها اليمينية المتطرفة وكأن شيئاً لا يحدث، بل وتزداد غطرسة وتحدياً لكل هذه المواقف، مما يعني أن علينا ومن مسؤوليتنا التاريخية وواجبنا الوطني في هذه المرحلة المصيرية أن نقف عند مستوى التحديات وأن نتخذ القرارات ربما التاريخية لمواجهة ما يقومون به ويدمر أرضنا ومستقبليا وتطلعاتنا.
كما أن الجانب الفلسطيني مطالب باتخاذ خيارات أخرى وعدم الجري وراء سراب الحلول، لأن دولة الاحتلال لا يمكنها أن تسعى أو توافق على السلام، وأول الخيارات هو إنهاء حالة الانقسام وتحقيق المصالحة ووضع برنامج عمل لإفشال كل هذه المؤامرات والمخططات التصفوية.
إن لم يذهب الفلسطينيون إلى تحقيق الوحدة الوطنية للتصدي للتحديات الجسام التي تتهدد قضيتهم ووجودهم على أرضهم، فإن المرحلة التي تنتظرهم ستكون أشد حلكة من ذي قبل.