عملياً، لم يتوقف العدوان الإسرائيلي على سكان قطاع غزة ليوم واحد منذ انتفاضة الأقصى سنة 2000، وحتى يومنا هذا، وقد أخذ العدوان أشكالاً عديدة، لم تبدأ بإغلاق الطريق الواصل بين جنوب قطاع غزة وشمالة طوال سنوات الانتفاضة، ولم يتوقف العدوان عند التضييق المتعمد على المسافرين عبر معبر رفح طوال فترة الانتفاضة، ولم يقتصر على الاقتحامات والاعتقالات والنسف والقصف، الذي لم يكن آخره ذلك القصف المرعب والرهيب الذي كسر زجاج كل بيوت المواطنين سنة 2005، عشية الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
لقد شن العدو الإسرائيلي على سكان قطاع غزة ثلاث حروب عدوانية، تخللها عشرات الاعتداءات، لم يجن منها العدو لا ثمرة ولا انتصارا، لذلك اعتمد العدو الإسرائيلي في السنوات الأخيرة استراتيجية التجاهل الحذر لسلاح المقاومة، مع الاهتمام بأحوال الناس، الذين سحقت عظمهم العقوبات المفروضة من السلطة، بعد أن أكل لحمهم الحصار الذي تفرضه إسرائيل، ليكون هدف العقوبات والحصار هو إسقاط ثمرة المقاومة عن طريق التجفيف، وحرق شجرة الشعب الذي حرص حتى اللحظة على حماية بذرة المقاومة من الضمور أو الذبول.
وحتى الآن، ورغم التنسيق الكامل والدقيق بين عقوبات السلطة والحصار الإسرائيلي، لم يتمكن أيهم من قطف الثمرة، رغم الرضا الإسرائيلي عن هذا الوضع الهادئ، الذي يمكنه من تحقيق أهدافه السياسية دون أي معارك غير مضمونة النتائج، ودون إيقاظ مارد الرأي العام العربي، الذي قد يغير المعادلة القائمة في حالة أي عدوان عسكري على قطاع غزة.
ما سبق من تحليل ينسجم مع تصريحات نتنياهو، ويتناغم مع تصريحات وزير الحرب الصهيوني ليبرمان، الذي دعا إلى عدم التهور، وعدم الانجرار إلى معركة يسعى إليها تحالف المتطرفين من كلا الجانبين على حد تعبير ليبرمان، لذلك فإن إطالة أمد التهدئة مع قطاع غزة قد يخدم الموقف الإسرائيلي العام، والذي يسعى إلى استثمار الحالة العربية المشتتة في اتخاذ القرارات المصيرية والاستراتيجية، مثل قرار ترامب حول القدس عاصمة موحدة لدولة العدو الإسرائيلي، ومثل قرار حزب الليكود بضم الضفة الغربية، ومثل قرار إبعاد مدينة القدس الموحدة عن أي مفاوضات قادمة، ومثل قرار تطبيق حكم الإعدام بحق الفلسطينيين، وهنالك جملة من القرارات اليمينية المتطرفة التي ستقررها الكنيست الإسرائيلي في المرحلة القادمة، والتي تتطلب الهدوء النسبي، وتجنب أي عدوان على قطاع غزة قد يفسد الأجواء العامة الموائمة لاتخاذ القرارات المصيرية التي طالما حلم بها اليهود على مر العصور.
قد يكون كل ما سبق من تحليل صحيحاً من الناحية النظرية، ولاسيما أن العدو الإسرائيلي لا يمتلك أي استراتيجية مواجهة جديدة مع غزة، ولا يضمن نتائج أي مواجهة جديدة، وهو يخشى المفاجآت التي تعدها له المقاومة، وهو بحاجة لمزيد من الوقت لاستكمال بناء الجدار الإلكتروني، ورغم كل ما يقال، إلا أن العدو الإسرائيلي غير مأمون الجانب، وله نوايا خبيثة تجاه المقاومة في غزة، ولا سيما بعد أن تأكد له فشل مشروع العقوبات المفروضة على غزة، وبعد أن صدر قرار الحكومة الفلسطينية بإعادة كمية الكهرباء التي قطعتها عن سكان غزة قبل عام تقريبا.
إن تصريحات قادة العدو الإسرائيلي الأخيرة حول اغتيال قيادات تنظيمية فلسطينية بمثابة عدوان على كل الفلسطينيين، وهي تصريحات تفضح النوايا العدوانية، وتشكل بداية المواجهة الحتمية، والتي تم تأجيلها لأسباب كثيرة.